ثانيا. وهذا يقتضي أن آية الناقة أرسلت لهم بعد أن كذبوا وهو الشأن في آيات الرسل ، وهو ظاهر ما جاء في سورة هود.
ويجوز أن تكون الفاء للترتيب الذكري المجرد وهي تفيد عطف مفصل على مجمل مثل قوله تعالى : (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كانا فِيهِ) [البقرة : ٣٦] فإن إزلالهما إبعادهما وهو يحصل بعد الإخراج لا قبله. وقوله : (وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا) [الأعراف : ٤] ، فيكون المعنى : كذبت ثمود بطغواها إذ انبعث أشقاها. ثم فصل ذلك بقوله : (فَقالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ) إلى قوله : (فَعَقَرُوها) ، والعقر عند انبعاث أشقاها ، وعليه فلا ضرورة إلى اعتبار الظرف وهو : (إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها) مقدّما من تأخير.
وأعيدت عليهم ضمائر الجمع باعتبار أنهم جمع وإن كانت الضمائر قبله مراعى فيها أن ثمود اسم قبيلة.
وانتصب (ناقَةَ اللهِ) على التحذير ، والتقدير : احذروا ناقة الله. والمراد : التحذير من أن يؤذوها ، فالكلام من تعليق الحكم بالذوات ، والمراد : أحوالها.
وإضافة (ناقَةَ) إلى اسم الجلالة لأنها آية جعلها الله على صدق رسالة صالح عليهالسلام ولأن خروجها لهم كان خارقا للعادة.
والسقيا : اسم مصدر سقى ، وهو معطوف على التحذير ، أي احذروا سقيها ، أي احذروا غصب سقيها ، فالكلام على حذف مضاف ، أو أطلق السقيا على الماء الذي تسقى منه إطلاقا للمصدر على المفعول فيرجع إلى إضافة الحكم إلى الذات. والمراد : حالة تعرف من المقام ، فإن مادة سقيا تؤذن بأن المراد التحذير من أن يسقوا إبلهم من الماء الذي في يوم نوبتها.
والتكذيب المعقب به تحذيره إياهم بقوله : (ناقَةَ اللهِ) ، تكذيب ثان وهو تكذيبهم بما اقتضاه التحذير من الوعيد. والإنذار بالعذاب إن لم يحذروا الاعتداء على تلك الناقة ، وهو المصرح به في آية سورة الأعراف [٧٣] في قوله : (وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ).
وبهذا الاعتبار استقام التعبير عن مقابلة التحذير بالتكذيب مع أن التحذير إنشاء ، فالتكذيب إنما يتوجه إلى ما في التحذير من الإنذار بالعذاب.
والعقر : جرح البعير في يديه ليبرك على الأرض من الألم فينحر في لبته ، فالعقر