المقصود بذلك فإنهم يعلمون أنهم كذبوا الرسول صلىاللهعليهوسلم وتولوا ، أي أعرضوا عن القرآن ، وقد انحصر ذلك الوصف فيهم يومئذ فقد كان الناس في زمن ظهور الإسلام أحد فريقين : إما كافر وإما مؤمن تقي ، ولم يكن الذين أسلموا يغشون الكبائر لأنهم أقبلوا على الإسلام بشراشرهم ، ولذلك عطف (وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى) إلخ تصريحا بمفهوم القصر وتكميلا للمقابلة.
و (الْأَشْقَى) و (الْأَتْقَى) مراد بهما : الشديد الشقاء والشديد التقوى ومثله كثير في الكلام.
وذكر القرطبي : أن مالكا قال : صلّى بنا عمر بن عبد العزيز المغرب فقرأ (وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى) فلما بلغ : (فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى) وقع عليه البكاء فلم يقدر يتعدّاها من البكاء فتركها وقرأ سورة أخرى».
ووصف (الْأَشْقَى) بصلة (الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى) ، ووصف (الْأَتْقَى) بصلة (الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكَّى) للإيذان بأن للصلة تسببا في الحكم.
وبين (الْأَشْقَى) و (الْأَتْقَى) محسن الجناس المضارع.
وجملة (يَتَزَكَّى) حال في ضمير (يُؤْتِي) ، وفائدة الحال التنبيه على أنه يؤتي ماله لقصد النفع والزيادة من الثواب تعريضا بالمشركين الذي يؤتون المال للفخر والرياء والمفاسد والفجور.
والتزكي : تكلف الزكاء ، وهو النماء من الخير.
والمال : اسم جنس لما يختص به أحد الناس من أشياء ينتفع بذاتها أو بخراجها وغلتها مثل الأنعام والأرضين والآبار الخاصة والأشجار المختص به أربابها.
ويطلق عند بعض العرب مثل أهل يثرب على النخيل.
وليس في إضافة اسم الجنس ما يفيد العموم ، فلا تدل الآية على أنه آتى جميع ماله.
وقوله : (وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى) الآية اتفق أهل التأويل على أن أول مقصود بهذه الصلة أبو بكر الصديق رضياللهعنه لمّا أعتق بلالا قال المشركون : ما فعل ذلك أبو بكر إلا ليد كانت لبلال عنده. وهو قول من بهتانهم (يعللون به أنفسهم كراهية