لأن يكون أبو بكر فعل ذلك محبة للمسلمين) ، فأنزل الله تكذيبهم بقوله : (وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى) مرادا به بعض من شمله عموم (الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكَّى) ، وهذا شبيه بذكر بعض أفراد العام وهو لا يخصص للعموم ولكن هذه لما كانت حالة غير كثيرة في أسباب إيتاء المال تعين أن المراد بها حالة خاصة معروفة بخلاف نحو قوله : (وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى) [البقرة : ١٧٧] ، وقوله : (إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً) [الإنسان : ٩].
و (عِنْدَهُ) ظرف مكان وهو مستعمل هنا مجازا في تمكن المعنى من المضاف إليه عنه كتمكن الكائن في المكان القريب ، قال الحارث بن حلّزة :
من لنا عنده من الخير آيا |
|
ت ثلاث في كلهن القضاء |
و (مِنْ نِعْمَةٍ) اسم (ما) النافية جر ب (مِنْ) الزائدة التي تزاد في النفي لتأكيد النفي ، والاستثناء في (إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ) منقطع ، أي لكن ابتغاء لوجه الله.
والابتغاء : الطلب بجد لأنه أبلغ من البغي.
والوجه مستعمل مرادا به الذات كقوله تعالى : (وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ) [الرحمن : ٢٧]. ومعنى ابتغاء الذات ابتغاء رضا الله.
وقوله : (وَلَسَوْفَ يَرْضى) وعد بالثواب الجزيل الذي يرضى صاحبه. وهذا تتميم لقوله : (وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى) لأن ذلك ما أفاد إلا أنه ناج من عذاب النار لاقتضاء المقام الاقتصار على ذلك لقصد المقابلة مع قوله : (لا يَصْلاها إِلَّا الْأَشْقَى) فتمم هنا بذكر ما أعد له من الخيرات.
وحرف «سوف» لتحقيق الوعد في المستقبل كقوله : (قالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي) [يوسف : ٩٨] أي يتغلغل رضاه في أزمنة المستقبل المديد.
واللام لام الابتداء لتأكيد الخبر.
وهذه من جوامع الكلم لأنها يندرج تحتها كل ما يرغب فيه الراغبون. وبهذه السورة انتهت سورة وسط المفصّل.