السورة حدثت فيها صلاة رسول الله صلىاللهعليهوسلم وفشا فيها خبر بدء الوحي ونزول القرآن ، جريا على أن الأصل في الآيات المتعاقبة في القراءة أن تكون قد تعاقبت في النزول إلا ما ثبت تأخره بدليل بيّن ، وجريا على الصحيح الذي لا ينبغي الالتفات إلى خلافه من أن هذه السورة هي أول سورة نزلت.
فموقع قوله : (إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى) موقع المقدمة لما يرد بعده من قوله : (أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى * عَبْداً إِذا صَلَّى) إلى قوله : (لا تُطِعْهُ) [العلق : ١٩] لأن مضمونه كلمة شاملة لمضمون : (أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى * عَبْداً إِذا صَلَّى) إلى قوله : (فَلْيَدْعُ نادِيَهُ) [العلق : ١٧].
والمعنى : أن ما قاله أبو جهل ناشئ عن طغيانه بسبب غناه كشأن الإنسان.
والتعريف في (الْإِنْسانَ) للجنس ، أي من طبع الإنسان أن يطغى إذا أحسّ من نفسه الاستغناء ، واللام مفيدة الاستغراق العرفي ، أي أغلب الناس في ذلك الزمان إلا من عصمه خلقه أو دينه.
وتأكيد الخبر بحرف التأكيد ولام الابتداء لقصد زيادة تحقيقه لغرابته حتى كأنه مما يتوقع أن يشك السامع فيه.
والطغيان : التعاظم والكبر.
والاستغناء : شدة الغنى ، فالسين والتاء فيه للمبالغة في حصول الفعل مثل استجاب واستقر.
و (أَنْ رَآهُ) متعلق ب «يطغى» بحذف لام التعليل لأن حذف الجار مع (أن) كثير شائع ، والتقدير : إنّ الإنسان ليطغى لرؤيته نفسه مستغنيا.
وعلة هذا الخلق أن الاستغناء تحدث صاحبه نفسه بأنه غير محتاج إلى غيره وأن غيره محتاج فيرى نفسه أعظم من أهل الحاجة ولا يزال ذلك التوهم يربو في نفسه حتى يصير خلقا حيث لا وازع يزعه من دين أو تفكير صحيح فيطغى على الناس لشعوره بأنه لا يخاف بأسهم لأن له ما يدفع به الاعتداء من لأمة سلاح وخدم وأعوان وعفاة ومنتفعين بماله من شركاء وعمال وأجراء فهو في عزة عند نفسه.
فقد بينت هذه الآية حقيقة نفسية عظيمة من الأخلاق وعلم النفس. ونبهت على