الحذر من تغلغلها في النفس.
وضمير (رَآهُ) المستتر المرفوع على الفاعلية وضميره البارز المنصوب على المفعولية كلاهما عائد إلى الإنسان ، أي أن رأى نفسه استغنى.
ولا يجتمع ضميران متحدا المعاد : أحدهما فاعل ، والآخر مفعول في كلام العرب ، إلا إذا كان العامل من باب ظن وأخواتها كما في هذه الآية ، ومنه قوله تعالى : (قالَ أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَ) في سورة الإسراء [٦٢]. قال الفراء : والعرب تطرح النفس من هذا الجنس (أي جنس أفعال الظن والحسبان) تقول : رأيتني وحسبتني ، ومتى تراك خارجا ، ومتى تظنك خارجا ، وألحقت (رأى) البصرية ب (رأى) القلبية عند كثير من النحاة كما في قول قطري بن الفجاءة :
فلقد أراني للرّماح دريئة |
|
من عن يميني مرة وأمامي |
ومن النادر قول النّمر بن تولب :
قد بتّ أحرسني وحدي ويمنعني |
|
صوت السباع به يضبحن والهام |
وقرأ الجميع (أَنْ رَآهُ) بألف بعد الهمزة ، وروى ابن مجاهد عن قنبل أنه قرأه عن ابن كثير «رأه» بدون ألف بعد الهمزة ، قال ابن مجاهد : هذا غلط ولا يعبأ بكلام ابن مجاهد بعد أن جزم بأنه رواه عن قنبل ، لكن هذا لم يروه غير ابن مجاهد عن قنبل فيكون وجها غريبا عن قنبل.
وألحق بهذه الأفعال : فعل فقد وفعل عدم إذا استعملا في الدعاء نحو قول القائل : فقدتني وعدمتني.
وجملة : (إِنَّ إِلى رَبِّكَ الرُّجْعى) معترضة بين المقدمة والمقصد والخطاب للنبيصلىاللهعليهوسلم ، أي مرجع الطاغي إلى الله ، وهذا موعظة وتهديد على سبيل التعريض لمن يسمعه من الطغاة ، وتعليم للنبي صلىاللهعليهوسلم وتثبيت له ، أي لا يحزنك طغيان الطاغي فإن مرجعه إليّ ، ومرجع الطاغي إلى العذاب قال تعالى : (إِنَّ جَهَنَّمَ كانَتْ مِرْصاداً لِلطَّاغِينَ مَآباً) [النبأ : ٢١ ، ٢٢] وهي موعظة للطاغي بأن غناه لا يدفع عنه الموت ، والموت : رجوع إلى الله كقوله : (يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ) [الانشقاق : ٦].
وفيه معنى آخر وهو أن استغناءه غير حقيقي لأنه مفتقر إلى الله في أهم أموره ولا يدري ما ذا يصيّره إليه ربّه من العواقب فلا يزده بغنى زائف في هذه الحياة فيكون :