هو الكفر والشرك اللذين كانوا عليهما فصار التقدير : لم يكن الذين كفروا منفكين عن كفرهم حتى تأتيهم البينة التي هي الرسول صلىاللهعليهوسلم ثم إن كلمة (حَتَّى) لانتهاء الغاية فهذه الآية تقتضي أنهم صاروا منفكين عن كفرهم عند إتيان الرسول صلىاللهعليهوسلم. ثم قال بعد ذلك : (وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ) [البينة : ٤] وهذا يقتضي أن كفرهم قد ازداد عند مجيء الرسول صلىاللهعليهوسلم فحينئذ حصل بين الآية الأولى والآية الثانية مناقضة في الظاهر» ا ه كلام الفخر.
يريد أن الظاهر أن قوله : (رَسُولٌ مِنَ اللهِ) بدل من (الْبَيِّنَةُ) وأن متعلّق (مُنْفَكِّينَ) حذف لدلالة الكلام عليه لأنهم لما أجريت عليهم صلة الذين كفروا دل ذلك على أن المراد لم يكونوا منفكين على كفرهم ، وأن حرف الغاية يقتضي أن إتيان البينة المفسّرة ب (رَسُولٌ مِنَ اللهِ) هي نهاية انعدام انفكاكهم عن كفرهم ، أي فعند إتيان البينة يكونون منفكين عن كفرهم فكيف مع أن الله يقول : (وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ) [البينة : ٤] فإن تفرقهم راجع إلى تفرقهم عن الإسلام وهو ازدياد في الكفر إذ به تكثر شبه الضلال التي تبعث على التفرق في دينهم مع اتفاقهم في أصل الكفر ، وهذا الأخير بناء على اعتبار قوله تعالى : (وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) [البينة : ٤] إلخ كلاما متصلا بإعراضهم عن الإسلام وذلك الذي درج عليه المفسرون ولنا في ذلك كلام سيأتي.
ومما لم يذكره الفخر من وجه الإشكال : أن المشاهدة دلت على أن الذين كفروا لم ينفكوا عن الكفر في زمن ما ، وأن نصب المضارع بعد (حَتَّى) ينادي على أنه منصوب ب (أن) مضمرة بعد (حَتَّى) فيقتضي أنّ إتيان البينة مستقبل وذلك لا يستقيم فإن البينة فسرت ب (رَسُولٌ مِنَ اللهِ) وإتيان الرسول وقع قبل نزول هذه الآيات بسنين وهم مستمرون على ما هم عليه : هؤلاء على كفرهم ، وهؤلاء على شركهم.
وإذ قد تقرر وجه الإشكال وكان مظنونا أنه ملحوظ للمفسرين إجمالا أو تفصيلا فقد تعين أن هذا الكلام ليس واردا على ما يتبادر من ظاهره في مفرداته أو تركيبه ، فوجب صرفه عن ظاهره ، إما بصرف تركيب الخبر عن ظاهر الإخبار وهو إفادة المخاطب النسبة الخبرية التي تضمنها التركيب ، بأن يصرف الخبر إلى أنه مستعمل في معنى مجازي للتركيب. وإمّا بصرف بعض مفرداته التي اشتمل عليها التركيب عن ظاهر معناها إلى معنى مجاز أو كناية.
فمن المفسرين من سلك طريقة صرف الخبر عن ظاهره. ومنهم من أبقوا الخبر على