ظاهر استعماله وسلكوا طريقة صرف بعض كلماته عن ظاهر معانيها وهؤلاء منهم من تأول لفظ (مُنْفَكِّينَ) ومنهم من تأول معنى (حَتَّى) ومنهم من تأول (رَسُولٌ) ، وبعضهم جوز في (الْبَيِّنَةُ) وجهين.
وقد تعددت أقوال المفسرين فبلغت بضعة عشر قولا ذكر الآلوسي أكثرها وذكر القرطبي معظمها غير معزو ، وتداخل بعض ما ذكره الآلوسي وزاد أحدهما ما لم يذكره الآخر.
ومراجع تأويل الآية تؤول إلى خمسة.
الأول : تأويل الجملة بأسرها بأن يؤوّل الخبر إلى معنى التوبيخ والتعجيب ، وإلى هذا ذهب الفراء ونفطويه والزمخشري.
الثاني : تأويل معنى (مُنْفَكِّينَ) بمعنى الخروج عن إمهال الله إياهم ومصيرهم إلى مؤاخذتهم ، وهو لابن عطية.
الثالث : تأويل متعلّق (مُنْفَكِّينَ) بأنه عن الكفر وهو لعبد الجبّار ، أو عن الاتفاق على الكفر وهو للفخر وأبي حيّان. أو منفكين عن الشهادة للرسول صلىاللهعليهوسلم بالصدق قبل بعثته وهو لابن كيسان عبد الرحمن الملقب بالأصم ، أو منفكين عن الحياة ، أي هالكين ، وعزي إلى بعض اللغويين.
الرابع : تأويل (حَتَّى) أنها بمعنى (إن) الاتصالية. والتقدير : وإن جاءتهم البينة.
الخامس : تأويل (رَسُولٌ) بأنه رسول من الملائكة يتلو عليهم صحفا من عند الله فهو في معنى قوله تعالى : (يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ) [النساء : ١٥٣] وعزاه الفخر إلى أبي مسلم وهو يقتضي صرف الخبر إلى التهكم.
هذا والمراد ب (الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ) أنهم كفروا برسالة محمدصلىاللهعليهوسلم مثل ما في قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ) [الحشر : ١١].
وأنت لا يعوزك إرجاع أقوال المفسرين إلى هذه المعاقد فلا نحتاج إلى التطويل بذكرها فدونك فراجعها إن شئت ، فبنا أن نهتم بتفسير الآية على الوجه البين.
إن هذه الآيات وردت مورد إقامة الحجة على الذين لم يؤمنوا من أهل الكتاب وعلى