والمقصود من هذه الجملة تفظيع كنود الإنسان بأنه معلوم لصاحبه بأدنى تأمل في أقواله وأفعاله. وعلى هذا فحرف (عَلى) متعلق ب «شهيد» واسم الإشارة مشار به إلى الكنود المأخوذ من صفة «كنود».
ويجوز أن يكون «شهيد» بمعنى (عليم) كقول الحارث بن حلّزة في عمرو بن هند :
وهو الربّ والشهيد على يو |
|
م الخيارين والبلاء بلاء |
ومتعلق «شهيد» محذوفا دلّ عليه المقام ، أي عليم بأن الله ربه ، أي بدلائل الربوبية ، ويكون قوله : (عَلى ذلِكَ) بمعنى : مع ذلك ، أي مع ذلك الكنود هو عليم بأنه ربه مستحق للشكر والطاعة لا للكنود ، فحرف (عَلى) بمعنى (مع) كقوله : (وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ) [البقرة : ١٧٧] و (يُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ) [الإنسان : ٨] وقول الحارث بن حلزة :
فبقينا على الشّناءة تنم |
|
نا حصون وعزة قعساء |
والجار والمجرور في موضع الحال وذلك زيادة في التعجيب من كنود الإنسان.
وقال ابن عباس والحسن وسفيان : ضمير (وَإِنَّهُ) عائد إلى «ربه» ، أي وأن الله على ذلك لشهيد ، والمقصود أن الله يعلم ذلك في نفس الإنسان ، وهذا تعريض بالتحذير من الحساب عليه. وهذا يسوغه أن الضمير عائد إلى أقرب مذكور ونقل عن مجاهد وقتادة كلا الوجهين فلعلهما رأيا جواز المحملين وهو أولى.
وتقديم (عَلى ذلِكَ) على «شهيد» للاهتمام والتعجيب ومراعاة الفاصلة.
والشديد : البخيل. قال أبو ذؤيب راثيا :
حذرناه بأثواب في قعر هوة |
|
شديد على ما ضمّ في اللحد جولها |
والجول بالفتح والضّم : التراب ، كما يقال للبخيل المتشدد أيضا قال طرفة :
عقيلة مال الفاحش المتشدد
واللام في (لِحُبِّ الْخَيْرِ) لام التعليل ، والخير : المال قال تعالى : (إِنْ تَرَكَ خَيْراً) [البقرة : ١٨].
والمعنى : إن في خلق الإنسان الشّحّ لأجل حبه المال ، أي الازدياد منه قال تعالى : (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [الحشر : ٩].
وتقديم (لِحُبِّ الْخَيْرِ) على متعلّقه للاهتمام بغرابة هذا المتعلق ولمراعاة الفاصلة ،