حقهم فافتقروا معها إلى مميز فقيل لأجلهم (هُوَ اللهُ) والمقام الثالث : مقام أصحاب الشمال وهم الذين يجوزون تعدد الإله فقرن لفظ (أَحَدٌ) بقوله : (هُوَ اللهُ) إبطالا لمقالتهم ا ه.
فاسمه تعالى العلم ابتدئ به قبل إجراء الأخبار عليه ليكون ذلك طريق استحضار صفاته كلّها عند التخاطب بين المسلمين وعند المحاجّة بينهم وبين المشركين ، فإن هذا الاسم معروف عند جميع العرب فمسماه لا نزاع في وجوده ولكنهم كانوا يصفونه بصفات تنزّه عنها.
أما (أَحَدٌ) فاسم بمعنى (واحد). وأصل همزته الواو ، فيقال : وحد كما يقال : أحد ، قلبت الواو همزة على غير قياس لأنها مفتوحة (بخلاف قلب واو وجوه) ومعناه منفرد ، قال النابغة :
كأنّ رحلي وقد زال النهار بنا |
|
بذي الجليل على مستأنس وحد |
أي كأني وضعت الرجل على ثور وحش أحسّ بأنسي وهو منفرد عن قطيعه.
وهو صفة مشبهة مثل حسن ، يقال : وحد مثل كرم ، ووحد مثل فرح.
وصيغة الصفة المشبهة تفيد تمكن الوصف في موصوفها بأنه ذاتيّ له ، فلذلك أوثر (أَحَدٌ) هنا على (واحد) لأن (واحد) اسم فاعل لا يفيد التمكن. ف (واحد) و (أَحَدٌ) وصفان مصوغان بالتصريف لمادة متحدة وهي مادة الوحدة يعني التفرد.
هذا هو أصل إطلاقه وتفرعت عنه إطلاقات صارت حقائق للفظ (أحد) ، أشهرها أنه يستعمل اسما بمعنى إنسان في خصوص النفي نحو قوله تعالى : (لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ) في البقرة [٢٨٥] ، وقوله : (وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً) في الكهف [٣٨] وكذلك إطلاقه على العدد في الحساب نحو : أحد عشر ، وأحد وعشرين ، ومؤنثه إحدى ، ومن العلماء من خلط بين (واحد) وبين (أَحَدٌ) فوقع في ارتباك.
فوصف الله بأنه (أَحَدٌ) معناه : أنه منفرد بالحقيقة التي لوحظت في اسمه العلم وهي الإلهية المعروفة ، فإذا قيل : (اللهُ أَحَدٌ) فالمراد أنه منفرد بالإلهية ، وإذا قيل : الله واحد ، فالمراد أنه واحد لا متعدد فمن دونه ليس بإله. ومآل الوصفين إلى معنى نفي الشريك له تعالى في إلهيته.
فلما أريد في صدر البعثة إثبات الوحدة الكاملة لله تعليما للناس كلهم ، وإبطالا