ويجوز أن تكون مستعملة في المجاز الصوري يتظاهرون بالسؤال وهم موقنون بانتفاء وقوع ما يتساءلون عنه على طريقة استعمال فعل (يحذر) في قوله تعالى : (يَحْذَرُ) (الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ) [التوبة : ٦٤] فيكونون قصدوا بالسؤال الاستهزاء.
وذهب المفسرون فريقين في كلتا الطريقتين يرجّح كلّ فريق ما ذهب إليه. والوجه حمل الآية على كلتيهما لأن المشركين كانوا متفاوتين في التكذيب ، فعن ابن عباس : «لما نزل القرآن كانت قريش يتحدثون فيما بينهم فمنهم مصدق ومنهم مكذب».
وعن الحسن وقتادة مثل قول ابن عباس ، وقيل : هو سؤال استهزاء أو تعجب وإنما هم موقنون بالتكذيب.
فأما التساؤل الحقيقي فإن يسأل أحد منهم غيره عن بعض أحوال هذا النبأ فيسأل المسئول سائله سؤالا عن حال آخر من أحوال النبأ ، إذ يخطر لكل واحد في ذلك خاطر غير الذي خطر للآخر فيسأل سؤال مستثبت ، أو سؤال كشف عن معتقدة ، أو ما يوصف به المخبر بهذا النبأ كما قال بعضهم لبعض : (أَفْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ) [سبأ : ٨] وقال بعض آخر : (أَإِذا كُنَّا تُراباً وَآباؤُنا أَإِنَّا لَمُخْرَجُونَ) إلى قوله : (إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) [النمل : ٦٧ ، ٦٨].
وأما التساؤل الصوري فإن يسأل بعضهم بعضا عن هذا الخبر سؤال تهكم واستهزاء فيقول أحدهم : هل بلغك خبر البعث؟ ويقول له الآخر : هل سمعت ما قال؟ فإطلاق لفظ التساؤل حقيقي لأنه موضوع لمثل تلك المساءلة وقصدهم منه غير حقيقي بل تهكمي.
والاستفهام بما في قوله : (عَمَّ يَتَساءَلُونَ) ليس استفهاما حقيقيا بل هو مستعمل في التشويق إلى تلقي الخبر نحو قوله تعالى : (هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ) [الشعراء : ٢٢١].
والموجّه إليه الاستفهام من قبيل خطاب غير المعين.
وضمير (يَتَساءَلُونَ) يجوز أن يكون ضمير جماعة الغائبين مرادا به المشركون ولم يسبق لهم ذكر في هذا الكلام ولكن ذكرهم متكرر في القرآن فصاروا معروفين بالقصد من بعض ضمائره ، وإشاراته المبهمة ، كالضمير في قوله تعالى : (حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ) [ص : ٣٢] (يعني الشمس) (كَلَّا إِذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ) [القيامة : ٢٦] (يعني الروح) ، فإن جعلت الكلام من باب الالتفات فالضمير ضمير جماعة المخاطبين.