ولما كان الاستفهام مستعملا في غير طلب الفهم حسن تعقيبه بالجواب عنه بقوله : (عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ) فجوابه مستعملة بيانا لما أريد بالاستفهام من الإجمال لقصد التفخيم فبيّن جانب التفخيم ونظيره قوله تعالى : (هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ) [الشعراء : ٢٢١ ، ٢٢٢] ، فكأنه قيل : هم يتساءلون عن النبأ العظيم ومنه قول حسان بن ثابت :
لمن الدار أقفرت بمعان |
|
بين أعلى اليرموك والصّمّان |
ذاك مغنى لآل جفنة في الده |
|
ر وحقّ تقلّب الأزمان |
والنّبأ : الخبر ، قيل : مطلقا فيكون مرادفا للفظ الخبر ، وهو الذي جرى عليه إطلاق «القاموس» و «الصحاح» و «اللسان».
وقال الراغب : «النبأ الخبر ذو الفائدة العظيمة يحصل به علم أو غلبة ظن ولا يقال للخبر نبأ حتى يتضمن هذه الأشياء الثلاثة ويكون صادقا» ا ه. وهذا فرق حسن ولا أحسب البلغاء جروا إلّا على نحو ما قال الراغب فلا يقال للخبر عن الأمور المعتادة : نبأ وذلك ما تدل عليه موارد استعمال لفظ النبأ في كلام البلغاء ، وأحسب أن الذين أطلقوا مرادفة النبأ للخبر راعوا ما يقع في بعض كلام الناس من تسامح بإطلاق النبأ بمعنى مطلق الخبر لضرب من التأويل أو المجاز المرسل بالإطلاق والتقييد ، فكثر ذلك في الكلام كثرة عسر معها تحديد مواقع الكلمتين ولكن أبلغ الكلام لا يليق تخريجه إلا على أدق مواقع الاستعمال. وتقدم عند قوله تعالى : (وَلَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ) في سورة الأنعام [٣٤] وقوله : (قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ) [ص : ٦٧ ، ٦٨].
والعظيم حقيقته : كبير الجسم ويستعار للأمر المهم لأن أهمية المعنى تتخيّل بكبر الجسم في أنها تقع عند مدركها كمرأى الجسم الكبير في مرأى العين وشاعت هذه الاستعارة حتى ساوت الحقيقة.
ووصف (النَّبَإِ) ب (الْعَظِيمِ) هنا زيادة في التنويه به لأن كونه واردا من عالم الغيب زاده عظم أوصاف وأهوال ، فوصف النبأ بالعظيم باعتبار ما وصف فيه من أحوال البعث في ما نزل من آيات القرآن قبل هذا. ونظيره قوله تعالى : (قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ) في سورة ص [٦٧ ، ٦٨].
والتعريف في (النَّبَإِ) تعريف الجنس فيشمل كل نبأ عظيم أنبأهم الرسولصلىاللهعليهوسلم به ،