وما بعدها من الأهوال إلى أن يستقر كل فريق في مقره.
ومن تمام المناسبة للتذكير بيوم الجزاء وقوعه عقب التذكير بخلق الأرض ، والامتنان بما هيّأ منها للإنسان متاعا به ، للإشارة إلى أن ذلك ينتهي عند ما يحين يوم البعث والجزاء.
ويجوز أن يجعل قوله : (فَإِذا جاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرى) مفرعا على قوله : (فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ) [النازعات : ١٣ ، ١٤] فإن الطامة هي الزجرة.
ومناط التفريع هو ما عقبه من التفصيل بقوله : (فَأَمَّا مَنْ طَغى) إلخ إذ لا يلتئم تفريع الشيء على نفسه.
(وإذا) ظرف للمستقبل فلذلك إذا وقع بعد الفعل الماضي صرف إلى الاستقبال ، وإنما يؤتى بعد (إذا) بفعل الماضي لزيادة تحقيق ما يفيده (إذا) من تحقق الوقوع.
والمجيء : هنا مجاز في الحصول والوقوع لأن الشيء الموقّت المؤجل بأجل يشبه شخصا سائرا إلى غاية ، فإذا حصل ذلك المؤجل عند أجله فكأنه السائر إلى ، إذا بلغ المكان المقصود.
والطامة : الحادثة ، أو الوقعة التي تطمّ ، أي تعلو وتغلب بمعنى تفوق أمثالها من نوعها بحيث يقل مثلها في نوعها ، مأخوذ من طمّ الماء ، إذا غمر الأشياء وهذا الوصف يؤذن بالشدة والهول إذ لا يقال مثله إلا في الأمور المهولة ثم بولغ في تشخيص هولها بأن وصفت ب (الْكُبْرى) فكان هذا أصرح الكلمات لتصوير ما يقارن هذه الحادثة من الأهوال.
والمراد بالطامة الكبرى : القيامة وقد وصفت بأوصاف عديدة في القرآن مثل الصاخّة والقارعة والراجفة ووصفت بالكبرى.
و (يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ ما سَعى) بدل من جملة إذا (جاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرى) بدل اشتمال لأن ما أضيف إليه يوم هو من الأحوال التي يشتمل عليها زمن مجيء الطامة وهو يوم القيامة ويوم الحساب.
وتذكّر الإنسان ما سعاه : أن يوقف على أعماله في كتابه لأن التذكر مطاوع ذكّره.
والتذكر يقتضي سبق النسيان وهو انمحاء المعلوم من الحافظة.