افتتاح هذه السورة بفعلين متحملين لضمير لا معاد له في الكلام تشويق لما سيورد بعدهما ، والفعلان يشعران بأن المحكي حادث عظيم ، فأما الضمائر فيبين إبهامها قوله : (فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى) [عبس : ٦] وأما الحادث فيتبين من ذكر الأعمى ومن استغنى.
وهذا الحادث سبب نزول هذه الآيات من أولها إلى قوله : (بَرَرَةٍ) [عبس : ١٦]. وهو ما رواه مالك في «الموطأ» مرسلا عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال : أنزلت (عَبَسَ وَتَوَلَّى) في ابن أم مكتوم جاء إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فجعل يقول : يا محمد استدنِنِي ، وعند النبي صلىاللهعليهوسلم رجل من عظماء المشركين فجعل النبي صلىاللهعليهوسلم يعرض عنه (أي عن ابن أم مكتوم) ويقبل على الآخر ، ويقول : يا أبا فلان هل ترى بما أقول بأسا فيقول : «لا والدّماء ما أرى بما تقول يأسا» ، فأنزلت : (عَبَسَ وَتَوَلَّى)
ورواه الترمذي مسندا عن عروة عن عائشة بقريب من هذا ، وقال الترمذي : هذا حديث حسن غريب.
وروى الطبري عن ابن عباس : «أن ابن أم مكتوم جاء يستقرئ النبي صلىاللهعليهوسلم آية من القرآن ومثله عن قتادة.
وقال الواحدي وغيره : «كان النبي صلىاللهعليهوسلم حينئذ يناجي عتبة بن ربيعة وأبا جهل ، والعباس بن عبد المطلب ، وأبيّ بن خلف ، وشيبة بن ربيعة ، والوليد بن المغيرة ، والنبيصلىاللهعليهوسلم يقبل على الوليد بن المغيرة يعرض عليهم الإسلام.
ولا خلاف في أن المراد ب (الْأَعْمى) هو ابن أم مكتوم. قيل : اسمه عبد الله وقيل: اسمه عمرو ، وهو الذي اعتمده في «الإصابة» ، وهو ابن قيس بن زائدة من بني عامر بن لؤي من قريش.
وأمه عاتكة ، وكنيت أمّ مكتوم لأن ابنها عبد الله ولد أعمى والأعمى يكنى عنه بمكتوم. ونسب إلى أمه لأنها أشرف بيتا من بيت أبيه لأن بني مخزوم من أهل بيوتات قريش فوق بني عامر بن لؤي. وهذا كما نسب عمرو بن المنذر ملك الحيرة إلى أمه هند بنت الحارث بن عمرو بن حجر آكل المرار زيادة في تشريفه بوراثة الملك من قبل أبيه وأمه.
ووقع في «الكشاف» : أن أم مكتوم هي أم أبيه. وقال الطيبي : إنه وهم ، وأسلم قديما وهاجر إلى المدينة قبل مقدم النبي صلىاللهعليهوسلم إليها ، وتوفي بالقادسية في خلافة عمر بعد