فأجاب الله عن هذه الشبهة بقوله تعالى : (الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ) يعني كما خلق الإنسان ولم يكن(١) شيئا مذكورا كذلك يعيده وإن لم يبق شيئا مذكورا.
الثاني : أن من تفرّقت أجزاؤه في مشارق الأرض ومغاربها وصار بعضه (٢) في أبدان السّباع ، وبعضه (٣) في حواصل الطيور وبعض (٤) في جدران الرباع كيف يجتمع؟ وأبعد من هذا : لو أكل الإنسان (٥) إنسانا وصار أجزاء المأكول في أجزاء الآكل (فإن أعيدت (٦) أجزاء الآكل) فلا يبقى للمأكول أجزاء تتخلق منها أعضاء (٧) وإما أن تعاد إلى بدن المأكول فلا يبقى للآكل أجزاء. فأبطل الله تعالى هذه الشبهة بقوله : (وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ). ووجهه : أن في الأكل أجزاء أصلية وأجزاء فضلية وفي المأكول كذلك فإذا أكل إنسان (٨) إنسانا صار الأصلي من أجزاء المأكول فضليا من أجزاء الآكل والأجزاء الأصلية للآكل هي ما كان قبل الأكل فالله بكل خلق عليم يعلم الأصل من الفضل فيجمع الأجزاء الأصلية للآكل ويجمع الأجزاء الأصلية للمأكول وينفخ فيه روحا وكذلك يجمع أجزاءه المتفرقة في البقاع المتبددة بحكمته وقدرته (٩).
ثم إنه تعالى عاد إلى تقرير ما تقدم من دفع استبعادهم وإبطال إنكارهم فقال : (الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً) هذه قراءة العامة ، وقرىء الخضراء (١٠) اعتبارا بالمعنى ، وقد تقدم أنه يجوز تذكير اسم الجنس وتأنيثه قال تعالى : (نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ) [القمر : ٢٠] (نَخْلٍ خاوِيَةٍ)(١١) [الحاقة : ٧] ، وتقدم أن بني تميم ونجد يذكّرونه ، والحجاز (١٢) يؤنثونه إلا ألفاظا استثنيت (١٣).
__________________
(١) في ب لم يك وما هنا هو ما يوافق الرازي.
(٢) كذا في الرازي وفي ب بعضها.
(٣ و ٤) كذلك.
(٣ و ٤) كذلك.
(٥) في ب إنسان وإنسانا وفي الرازي : هو أنّ إنسانا إذا أكل إنسانا.
(٦) سقط من ب.
(٧) في ب أعضاؤه وهي موافقة للرازي.
(٨) كذا في الرازي وما في ب الإنسان إنسانا.
(٩) انظر تفسير الرازي ٢٦ / ١٠٩.
(١٠) أوردها أبو حيان في بحره ٧ / ٤٣٨ والزمخشري في الكشاف ٣ / ٣٣٢ والسمين في الدر ٤ / ٥٣٤ ولم ينسبها أي منهم.
(١١) ولقد ذكّر القرآن الكريم وأنث ما رجع إليهما أي النخل. وهو اسم الجنس فالتذكير نظرا للفظ والتأنيث نظرا للمعنى.
(١٢) في ب والحجازيون.
(١٣) كماء وتراب. والغالب في اسم الجنس أن يكون مذكرا إذا كان مجردا من التاء ومن ذلك : «الْكَلِمُ الطَّيِّبُ يَرْفَعُهُ» «كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ». وانظر : شرح الشافية ٢ / ١٩٣ و ١٩٤ والتبيان ١٦٦ : ١٦٨.