وغيرهما أنه متى اجتمع نون الرفع مع نون الوقاية جاز ذلك أوجه وتقدم تحقيق الخلاف في أيتهما المحذوفة(١).
قال مقاتل : وذلك حين قال له المشركون : دع دينك واتبع دين آبائك ونؤمن بإلهك ، ونظير هذه الآية : (قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا) [الأنعام : ١٤] ، وتقدم في تلك الآية وجه الحكمة في تقدم المفعول ووصفهم بالجهل لأنه تقدم وصف الإله بكونه خالقا للأشياء كلها وبكونه له مقاليد السموات والأرض وكون هذه الأصنام جمادات لا تضرّ ولا تنفع فمن أعرض عن عبادة الإله الموصوف بتلك الصفات المقدسة الشريفة واشتغل بعبادة هذه الأصنام الخسيسة فقد بلغ في الجهل مبلغا لا مزيد عليه ، فلهذا قال : (أَيُّهَا الْجاهِلُونَ)(٢).
قوله : (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) الذي عملت قبل الشرك ، واعلم أن الظاهر (أن) (٣) قوله (لَئِنْ أَشْرَكْتَ) هذه الجملة هي القائمة مقام الفاعل لأنها هي الموحاة وأصول البصريين تأبى ذلك (٤) ، ويقدرون أن القائم مقامه ضمير المصدر لأن الجملة لا تكون فاعلا عندهم والقائم هنا مقام الفاعل الجار والمجرور وهو «إليك». وقرىء ليحبطنّ ـ بضم الياء وكسر الباء ـ أي الله (٥) ولنحبطنّ (٦) بنون العظمة (وليحبطنّ) (٧) على البناء للمفعول (٨) و «عملك» مفعول به على القراءتين الأوليين ومرفوع على الثالثة لقيامه مقام الفاعل.
قال ابن الخطيب : واللام الأولى موطئة للقسم المحذوف والثانية لام الجواب.
فإن قيل : كيف أوحي إليه وإلى من قبله حال شركه على التعيين؟.
فالجواب : تقرير الآية أوحي إليك لئن أشركت ليحبطن عملك وإلى الذين من قبلك مثله أي أوحي (إليك) (٩) وإلى كل أحد منهم لئن أشركت كما تقول : كسانا حلّة : أي كل واحد منا (١٠).
فإن قيل : كيف صحّ هذا الكلام مع علم الله تعالى أن رسله لا يشركون ولا يحبط أعمالهم؟.
__________________
(١) وللعلماء في ذلك أقوال فمن قائل إن المحذوف ـ وهو مذهب الغالب ـ هو نون الوقاية ، ومن قائل : إن المحذوف هو النون الأولى نون الرفع والأفعال الخمسة ، ويؤيد المذهب الأول وهو حذف نون الوقاية أنها طرف والطرف محل تغيير.
(٢) وانظر : الرازي ٢٧ / ١٢.
(٣) سقط من ب.
(٤) نقل ذلك أبو حيان في البحر ٧ / ٤٣٩ والسمين في الدر ٤ / ٦٦٣.
(٥) ذكره أبو حيان في البحر ٧ / ٤٣٩ والسمين في الدر ٤ / ٦٦٣.
(٦) مختصر ابن خالويه ١٣١.
(٧) سقط من ب.
(٨) ذكره جار الله في الكشاف ٣ / ٤٠٧.
(٩) سقط من ب.
(١٠) تفسير الرازي ٢٧ / ١٣. وقد سبقه الكشاف ٣ / ٤٠٧ وأخذه أبو حيان عنهما ٧ / ٤٣٩.