فكيف تكفرون به وتنكرونه؟
ولما كانت العقيدة بالله هي الأساس في كل هذا الجو الذي تتحرك فيه السورة ، في حديثها عن المؤمنين والكافرين والمنافقين ، ولما كان الكفر كشيء يدعو إلى التعجب والاستنكار ، لا إلى التفكير والتأمل ، لأن القضية أوضح من أن تخفى ، لهذا ، واجه الموقف بأسلوب الاستفهام الإنكاري الذي يوحي للإنسان بأن رفض الكفر لا يحتاج إلى جهد كبير ، بل يكفي فيه الوقوف في حالة تأملية لمراحل وجود الإنسان ؛ كيف كان ميتا لا يحمل أي مظهر من مظاهر الحياة ، وكيف دبّت فيه الحياة في عملية دقيقة رائعة في طريقة النمو والتكامل والكمال ، وكيف يموت بعد ذلك لينتقل إلى الحياة الواسعة ... وهكذا يعيش الإنسان في حياة عقب الموت الذي يعني العدم المحض ، فقد وجدت الحياة من عدم ، ثم تتجه إلى الموت الذي لا يغرق الإنسان في الضياع ، بل يثير الحياة بقوّة لتقوم قوية جديدة بإذن الله الذي ترجع الأمور إليه جميعا.
هذه الفكرة البسيطة تقدم الإيمان للإنسان ببساطة وجدانية بعيدة عن تعقيدات الفلسفة ومشاكلها ، فلا يحتاج معها إلى الالتفات والاستماع والوعي من دون ابتعاد عن نفسه بالذات ، فمنها تنطلق العقيدة الحقّة وتنمو وتتكامل ، ومن داخل الإنسان ينتقل الموقف إلى رحابة الخلق وإبداعه في رحاب الأرض وآفاق السماء ، في دعوة إلى التأمل الذي يقود إلى المعرفة الواسعة بالحياة في الطريق الرحب إلى الإيمان بالله خالق ذلك كله.
* * *