ويضطهدهم ويسخّرهم في الأعمال الشاقة لمصالحه ، بدون أجر أو بأقل قدر ممكن منه مقابل ما يبذلونه من جهد ، فيدعوه إلى أن يتركهم وشأنهم ليمارسوا حريتهم في ما يريدون وما لا يريدون. وكان الموقف موقف التحدي القويّ الذي واجه به موسى فرعون ، وكان ردّ التحدّي ـ في بداية الأمر ـ ضعيفا في موقف فرعون ، وقد يكون ذلك ناشئا من الإحراج الذي واجهه أمام آيات الله. ثم تطوّرت الأمور بينهما ، وتعقّدت الأوضاع ، وتصاعدت المواجهة بالمجابهة ، وأنزل الله البلاء على فرعون وقومه ... وكانت النهاية لمصلحة موسى في نهاية المطاف ، كما نرى ذلك من خلال متابعة آيات السورة.
* * *
جحود فرعون لآيات الله تعالى
(ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ) ـ والضمير يعود إلى الأنبياء الخمسة الذين تقدم ذكرهم ـ (مُوسى بِآياتِنا إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ) ، وهم الجماعة التي كانت تشاركه في الحكم ، وتدعمه في السلطة من الطغاة الصغار الذين كانوا يشكّلون طبقة السادة والأشراف في المجتمع ، (فَظَلَمُوا بِها) وجحدوها وكفروا بها ... وذلك هو مظهر الظلم في قضايا العقيدة والكفر ، في ما يظلم الإنسان به نفسه وربّه ، والحقّ الذي يقدّم إليه ... وامتد بهم الظلم والطغيان حتى لاقوا جزاء ظلمهم وطغيانهم في ما أنزله الله عليهم من العذاب (فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ) الذين ملأوا الأرض فسادا ، واعتبر بذلك في ما تريد وما لا تريد ، وهذه هي بداية القصة في المواجهة الأولى.
* * *