وجاء السحرة ، فما ذا كان أمرهم؟!
استدعى فرعون السحرة من جميع المناطق ، وجمع الناس ليشهدوا المواجهة الأولى بين سلطته الطاغية وبين رسالة موسى. (وَجاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ) ووقفوا بين يديه واستمعوا إليه ، فحدثهم عن سحر موسى وأرادهم أن يدخلوا معه معركة التحدي ، فيواجهونه بسحر أقوى. ولكن السحرة كانوا أصحاب مهنة ، لا يقومون بأي عمل إلّا مقابل أجر يأخذونه ، فلا مجال للخدمة المجّانية حتى للحاكمين ، (قالُوا إِنَّ لَنا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغالِبِينَ). وقد يوحي لنا منطقهم هذا بأنهم كانوا يملكون موقعا يسمح لهم بالجرأة على هذا الطلب ، لأن من عادة الحكّام مع من لا يملكون موقعا متقدما في المجتمع ، أن يصدروا إليهم الأوامر ليطيعوها بدون اعتراض أو توقف ، بينما نرى أن السحرة كانوا سيرفضون طلب فرعون لو لم يستجب لمطالبهم ، وربما يعود ذلك إلى كون السحرة يمثلون السلطة الدينية للمجتمع ، التي كانت تقارب قوتها قوة السلطة الحاكمة في التأثير على الناس. (قالَ نَعَمْ) ، فستأخذون الأجر العظيم ، (وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ) فسأمنحكم درجة متقدّمة من القرب في المركز والسلطان.
واتّخذوا مراكزهم في الساحة ، في مواجهة موسى. (قالُوا يا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ) ، في أسلوب استعراضيّ يحاول الإيحاء له وللناس بأن القضية لا تمثل عندهم أهمية كبري ، فلا فرق بين أن تكون البداية منه أو تكون منهم ، فسوف لن يخافوا منه ، لأنه أضعف من أن يهزمهم ، وستكون النتيجة واحدة في كلتا الحالتين ، وهي هزيمة موسى. (قالَ أَلْقُوا) بكلّ استهانة واستخفاف بأسلوبهم ، في عملية إيحاء بأنّه يواجه الموقف بثقة