الكفر ، فيكون الرسل شهودا عليهم ، فلا يبقى لديهم ما يعتذرون به.
وربما كانت القضية ـ في الآية ـ واردة في سياق الحديث عن المسؤولية الإلهية التي يواجهها الناس من أمم أو رسل ، لأن الحساب شامل للجميع ، بقطع النظر عن موقعهم من الله ، فإن السؤال يفصح عن الإخلاص والصدق في أجوبة المخلصين الصادقين ، كما يظهر زيف المزيفين وكذب الكاذبين ، ليعرف الجميع أن الخلق متساوون أمام الله يوم القيامة ، لا فرق بين الناس والرسل في ذلك كله.
ولذلك ، فليس هناك استعلام من الله لعباده ، بل هو توجيه لما يقبلون عليه في وقوفهم بين يديه ، لإثارة وعي المسؤولية في وجدانهم الفكري وتجربتهم العملية ، وإقامة الحجة عليهم في كل أمورهم.
وقد يطرح سؤال آخر : كيف يمكن التوفيق بين التأكيد على شمولية السؤال للناس والمرسلين وبين قوله تعالى : (فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ* فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ* يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالْأَقْدامِ) [الرحمن ٣٩ ـ ٤١] ، ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون؟!
وقد أجيب عن هذا السؤال بعدة أجوبة ، (منها) : ما ذكره صاحب مجمع البيان : «أنه ـ سبحانه ـ نفى أن يسألهم سؤال استرشاد واستعلام ، وإنما يسألهم سؤال تبكيت وتقريع ، ولذلك قال ـ عقيبه ـ (يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ) ، وسؤال الاستعلام مثل قولك : أين زيد؟ ومن عندك؟ وهذا لا يجوز على الله سبحانه. وسؤال التوبيخ والتقريع كمن يقول : ألم أحسن إليك فكفرت نعمتي؟ ومنه قوله : (* أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ) [يس : ٦٠] ، (أَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ) [المؤمنون : ١٠٥] ، وكقول الشاعر : «أطربا وأنت قنسري» أي كبير السن ، وهذا توبيخ منه لنفسه ، أي كيف أطرب مع الكبر والشيب ، وقد يكون السؤال للتقرير كقول الشاعر :
ألستم خير من ركب المطايا |
|
وأندى العالمين بطون راح |