أي أنتم كذلك ، وفي ضده قوله : «وهل يصلح العطار ما أفسد الدهر» أي لا يصلح. وأما سؤال المرسلين فليس بتقريع ولا توبيخ لهم ولكنه توبيخ للكفار وتقريع لهم.
(وثانيها) أنهم إنما يسألون يوم القيامة كما قال : (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ) [الصافات : ٢٤] ثم تنقطع مسألتهم عند حصولهم في العقوبة وعند دخولهم النار ، فلا تنافي بين الخبرين ، بل هو إثبات للسؤال في وقت ونفي له في وقت آخر.
(وثالثها) أن في القيامة مواقف ، ففي بعضها يسأل وفي بعضها لا يسأل ، فلا تضاد بين الآيات ...» (١).
(ومنها) أن الآيات النافية للسؤال إشارة إلى المساءلة الشفاهية ، والآيات المثبتة إشارة إلى المساءلة التي تقع على الجوارح وهي تتكلم بلسان الحال ، مثل حمرة وجه الإنسان خجلا من انكشاف الحال في إجرامه البارز عند ظهور الحقائق.
وربما كان الأقرب للسياق في آيات نفي السؤال أنها واردة في مورد التأكيد على أن الله يعلم ذنوب المذنبين وإجرام المجرمين ، فلا حاجة به إلى سؤالهم للتعرف على ذلك ، مع وضوحها عندهم من خلال ما يعرفونه من أنفسهم وما يقرءونه في كتاب الأعمال الذي يراد للإنسان قراءته ليكون الحسيب على نفسه بنفسه ، ويتطلع المجرمون إلى ما فيه فيجدونه لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ، ولذلك فإن هناك وضوحا في قيام الحجة عليهم المبررة لعذابهم. أما آيات السؤال فهي واردة لإقامة الحجة عليهم بإظهار أعمالهم من خلال اعترافاتهم ، فلكل آية سياق يختلف عن سياق الآية الأخرى ؛ والله العالم بحقائق آياته.
* * *
__________________
(١) مجمع البيان ، ج : ٤ ، ص : ٦١٥.