أجواء التثوير ، لأنّ المسألة ليست مسألة ذات تريد أن تستريح ، بل هي مسألة أمّة تريد أن تتحرّر وتتقدم ، ومسألة واقع يريد أن يتغير ، وهذا ما أراد موسى أن يثيره في الانفتاح على الله في أوقات الشدّة ، وفي الثقة بوعده في حالات الضيق ، فذلك هو الذي يجدّد في الإنسان روح القوة ، ويبعث في روحه معنى الأمل ... (قالَ عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ) كما أهلك الطغاة من قبله بالطريقة المباشرة أو غير المباشرة ، فقد أعدّ الله للطغاة مصيرا لا يستطيعون الهروب منه ، ولكنّ لكلّ شيء وقتا لا يتعداه تبعا لما أودعه الله في حركة الحياة من أسرار حكمته ، فليكن أملنا بالله كبيرا ، ونحن نعمل في سبيل تهيئة الظروف التي تتحقق فيها إرادته بالنصر.
(وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ) ، فقد وعد الله المستضعفين أن يستخلفهم في الأرض ، والله لا يخلف وعده ، ولكنّ قضية الاستخلاف في الأرض ليست امتيازا لأحد ، بل هي المسؤولية الواعية من أجل تغيير الواقع على الأسس الإيمانية التي تصلح أمر البلاد والعباد ، بعيدا عن الأسس الاستكبارية الكافرة التي تفسد الحياة كلها بخطط الكفر والضلال ، ولهذا فإن المسألة تعيش في نطاق الامتحان والاختبار ، لما تحملون من عقيدة ، ولما تعيشونه من مفاهيم ، ولما تتحركون به من خطط وأهداف ، ليعرف الصادقون من الكاذبين ، والمخلصون من المنافقين ... (فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) في ما تمارسونه في خلافتكم على مستوى الحكم في إدارة شؤون الناس والحياة ... وتلك هي قصة الحكم في المفهوم الديني للإنسان ؛ إنها قصة التغيير ، وتحويل المسيرة من خطّ الظلم إلى خطّ العدل ، ومن شريعة الكفر إلى شريعة الإيمان ، وليست عملية تبديل أسماء وتغيير واجهات ، لنبرّر الظلم باسم العدل ، وننطلق مع الكفر باسم الإيمان.
* * *