المقادير. وللوزن مقياسان ؛ مادي ومعنوي. فأما المادّي ، فهو الذي يعيّن مستوى الثقل في الأشياء في ما تعارف عليه الناس من الغرام ، والكيلو ، والطن ، ونحو ذلك مما يختلف اسمه ونوعه حسب اختلاف البلدان واللغات ... وأمّا المعنويّ ، فهو الذي يحدّد مستوى الثقل الفكريّ والعمليّ والاجتماعي والروحي للأشخاص وللمؤسسات ، ليحدّد من خلال ذلك القيمة الفكرية والروحية والاجتماعية والعملية لها ، ولتوضع ـ على أساس ذلك ـ القضايا السلبية أو الإيجابية المتصلة بحركة هذه الأشياء بما تحمل من علم أو تجيد من أمور ، كما توحي به الكلمة المأثورة عن الإمام علي عليهالسلام : «قيمة كل امرئ ما يحسنه» (١) وكما نستلهم من الآية الكريمة (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) [الزمر : ٩]. وقد يتحدثون عن الوزن الروحي بما تمثله الملكات النفسية ، وعن الوزن الاجتماعي والسياسي بما يمثّله من حجم اجتماعي أو سياسي في حياة الآخرين. وهكذا يحس الناس بخفّة الأشياء وثقلها ، في ميزان تفكيرهم ومشاعرهم ، وفي تقييمهم لما حولهم من أشخاص أو مؤسسات ...
أما في يوم القيامة ، فهناك الوزن الحقّ للأشخاص ، في ما يملك الناس من خصائص وأعمال في الدنيا وما خلّفه الإنسان وراءه من مواقف ، مما يمثل تاريخ الإنسان في علاقته بالحياة من خلال علاقته بالله ، فإذا كان تأريخه مثقلا بالأعمال الكبيرة المنسجمة مع حجم مسئولياته في إيجابية الممارسة ، كان وزنه ثقيلا في ميزان القيمة عند الله ، ممّا يمنحه ، في قضية المصير ، شهادة فلاح ونجاح بما قدّمه للناس من حوله من فرص الخير والعلم والحرية والهدى والإيمان ، وبما أجهد فيه نفسه ، وأتعب فيه بدنه. أما إذا كان تأريخه فارغا من ذلك كله ، لأن كل همه في الحياة كان أن يأكل ويشرب ويلبس ويستمتع
__________________
(١) نهج البلاغة ، ضبط نصه د. صبحي الصالح ، دار الكتاب اللبناني ، بيروت ـ لبنان ، ط : ٢ ، ١٩٨٢ م ، ص : ٤٨٢ ، حكمة : ٨١.