بمختلف شهواته ولذّاته ، وأن يعيش الحياة في كسل واسترخاء من غير هموم ومشاريع كبيرة تتجاوز نفسه إلى أمته ، فإن أعماله لا تمثل وزنا في حجم المسؤولية. وإنسان في هذا المستوى من البعد عن الله وعن حركة الحياة ، لا بد أن يكون ميزانه خفيفا يطير في الهواء ، لأنه لا يجد في مقابله شيئا يقترب به من خطّ التوازن. وهذا ما أشارت إليه الآيتان : (وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) ، لأنهم استطاعوا أن يحوّلوا طاقاتهم إلى أفكار وأعمال ومواقف امتدت في رحاب الزمن ، وتعمقت في وعي الإنسان ، وانطلقت في آفاق المعرفة ، فوجدوها أمامهم بعد أن تركوا هذه الدنيا ، في ما أثاروه وفعلوه وعاشوه ، مما يقربهم إلى الله ويقودهم إلى رحمته ؛ فكأنّ هذه الطاقات قد بقيت لهم بثقلها وحجمها ، ممّا جعلها تثقل الميزان في حساب الأعمال ، وذلك هو سرّ الفلاح في الدنيا والآخرة ، عند ما يقف الإنسان على الشاطئ الأمين ، بعد مسيرة طويلة في قبضة الأمواج.
(وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) ، لأن قيمة النفس بمقدار ما تساوي من عمل .. فيما كان الإنسان يستطيع أن يفعله في حياته ، ليربح امتدادها في قضية المصير. فإذا لم ينتهز الفرصة السانحة ، فسيجد نفسه في خسارة فادحة لا يملك معها شيئا ، أيّ شيء ، حيث لا يبقى له إلا النار وبئس القرار ... (بِما كانُوا بِآياتِنا يَظْلِمُونَ) وذلك هو السبب الذي يجلب الخسارة للإنسان ، أن يظلم الإنسان ربّه بانحرافه عن آياته ، وتمرده عليها ، فيبتعد عن الانسجام مع حقوق الله عليه في ما أفاض عليه من نعمة الوجود ، وأغدق عليه من ألطافه في امتداد حياته ، وما فتح له من نوافذ المعرفة التي تفتح قلبه على الحقيقة ... وأي ظلم أفظع من هذا الظلم ، أن تستعمل ما منحك الله من نعمه في التمرد عليه ومعصيته ، فتفقد بذلك كل دنياك وآخرتك.
* * *