وجاء في كتاب علل الشرائع : «دخل أبو حنيفة على الإمام أبي عبد الله عليهالسلام فقال له : «يا أبا حنيفة ، بلغني أنك تقيس؟ قال : نعم ، قال : لا تقس فإن أول من قاس إبليس حين قال : (خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) ، فقاس ما بين النار والطين ، ولو قاس نورية آدم بنورية النار عرف فضل ما بين النورين وصفاء أحدهما على الآخر» (١).
لقد وقف أئمة أهل البيت موقفا حاسما من القياس كدليل من أدلة الأحكام الشرعية ، انطلاقا من عدم وجود أساس يقيني له في مسألة الحجية ، فالقياس هو عبارة عن تسرية حكم من موضوع إلى موضوع آخر بلحاظ وجود خصوصية مشتركة بينهما ، على أساس اعتبار هذه الخصوصية هي العلة للحكم الشرعي في الموضوع الأول ، مما يجعل الحكم في الموضوع الثاني خاضعا لوجود علته ، ولكن الملاحظة الدقيقة ، هي أن استنباط العلة ـ في أغلب الموارد ـ لا يخضع لليقين بها ، بل يحصل من حالة ظنية تلتقي مع احتمال الخلاف ، لأن من الممكن أن تكون هناك خصوصية أخرى في الموضوع الأول هي التي أنتجت الحكم ، وربما يكون لاجتماع الخصوصيات الأخرى إلى جانب الخصوصية المشتركة دخل في جعل الحكم ، بل ربما تكون هناك خصوصية خفية لم يدركها الباحث هي الأساس في الحكم ، فيكون إسراء الحكم من موضوع إلى موضوع آخر حاصلا من الظنّ الذي «لا يغني من الحق شيئا» ولا دليل على حجيته من ناحية خاصة. وربما يذكر البعض مثالا لابتعاد القياس عن الصواب مثال «البول» و«العرق» ، فقد حكم على بول الإنسان بالنجاسة وحكم على العرق بالطهارة مع أنهما متشابهان في خروج كلّ منهما من داخل جسم الإنسان ، فهل يحكم على العرق بالنجاسة لأجل ذلك ، في الوقت الذي يفترقان بأن أحدهما أرقّ والآخر أغلظ ، وأن الاجتناب عن
__________________
(١) الكافي ، ج : ١ ، ص : ٥٨ ، رواية : ٢٠.