أحدهما ـ وهو البول ـ أسهل ، بينما الاجتناب عن العرق أصعب.
وإذا كان القياس متعارفا عند الناس في بعض أمورهم ، فإن السبب في ذلك هو اكتشافهم العلة الكامنة وراء الحكم العرفي ، بلحاظ معرفتهم بالأسس العقلائية التي ارتكز عليها من خلال ما يعرفونه من مرتكزاتهم بشكل يقيني ، ولكنهم يتوقفون في الحالات التي لا يحيطون بخصوصياتها الذاتية ، وهذا ما قد نلاحظه في الأطباء الذين لا يبادرون إلى إعطاء دواء مريض لمريض آخر يشبهه في بعض المواصفات ، لإمكان أن يكون مختلفا عنه في صفات مرضية أخرى ، مما يجعل من الدواء عنصرا ضارا له بلحاظ تلك الخصوصية المنفردة.
وربّما كان الأساس في ذهاب أبي حنيفة للقياس هو قلة الأحاديث الصحيحة الواردة عن النبي محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ كما نقل عنه ـ مما يجعل من الواقع الفقهي واقعا يشبه ما ذكره الأصوليون من علماء الشيعة في موضوع انسداد باب العلم والحجج الخاصة ، الأمر الذي ذهب فيه بعضهم إلى حجّية الظنّ المطلق ، ولكنه أمر غير واقعي لورود الكثير من الأحاديث الواردة عن النبي محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم وأئمة أهل البيت الذين يتحدثون عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في كل أحاديثهم ، بالإضافة إلى نصوص القرآن ، الأمر الذي لا يجعل هناك فراغا فقهيا أو حاجة استنباطية يفرض اللجوء إلى القياس أو إلى الظنون الأخرى ، في الوقت الذي يصعب فيه معرفة علل الأحكام الشرعية بشكل دقيق ، مما يجعل من القياس وسيلة من وسائل الابتعاد عن الحقيقة في الحكم الشرعي من خلال الظنون المتنوعة التي قد تختلف باختلاف الأشخاص.
وتبقى هناك حالة واحدة ، وهي صورة «منصوص العلة» بأن يأتي ذكر العلة في الحديث نفسه الدالّ على الحكم الشرعي ، كما إذا قال : لا تشرب الخمر لأنه مسكر ، فإننا نستوحي من ظاهر الكلام علية الإسكار للحرمة ، مما