عناصر الوجود ، وعن اختلاف الجوانب في خصائص الذات ، وعن البعد الفكري عن فهم الآخر في مميزاته الوجودية ، تماما كمن يقضي عمره في زاوية مغلقة يستغرق فيها فيخيّل إليه أن العالم يتمثل في هذه الزاوية ، لأنها هي التي عانت فيها تجربته الذاتية.
وهذه هي مشكلة الأنانيين الذين لا ينظرون إلى الناس الآخرين في فضائلهم المميزة ، ولا ينظرون إلى أنفسهم في سلبياتهم الذاتية ولا يدخلون في مقارنة واقعية إنسانية بين عناصرهم الشخصية وعناصر الآخرين ، وبذلك تتحوّل الأنانية إلى كبرياء لتتحول الكبرياء إلى عقدة في الذات توحي باتخاذ المواقف العدوانية ضد الآخر ، لا سيّما إذا استطاع أن يبلغ الدرجات العليا في الحياة ، وأن يتغلب عليه في الحصول على امتيازات واقعية في الواقع الإنساني.
وهذا هو الذي تمثله إبليس في موقفه من آدم وبنيه ، فقد استفاد من حرية الحركة التي منحه الله إياها في التجوال في الجنة التي كان يقيم فيها آدم وزوجه ، ومن نقاط الضعف البشري في شخصيته ، ومن فقدانه للتجربة المتحركة في معرفة إبليس الذي لم يتيسّر لآدم التعرف عليه بخصائصه الشريرة عن قرب .. وهكذا عمل على أن يرسم خطته في إبعاده عن رضوان الله وقربه منه ، وذلك بالعمل على استغلال نهي الله لآدم وزوجه عن أكلهما من الشجرة لحكمة منه في ذلك ، مما لم يثر فيهما أيّ ردّ فعل سلبيّ ، فقد تقبلاه بكل رضى وطواعية وخضوع وإذعان.
وبدأ إبليس خطّته ، فقد أقسم لهما إنه من الناصحين ، ليبعث الثقة به في وجدانهما ، لأنه ليس من الطبيعي أن يقسم بالله كاذبا لا سيّما أنهما كانا لا يعرفان الكذب في التجربة الواقعية ، ثم أنار في داخلهما أحلام الخلود والتحوّل إلى الشخصية الملائكية التي ربما كانا يملكان صورة