ويبقى كذلك أبد الآبدين ، وعن هذه الطريق قالت الجهمية : إن الله في كل مكان بذاته ، وقال إخوانهم ، إنه ليس في العالم ، ولا خارج العالم ، ولا متصلا به ، ولا منفصلا عنه ولا مباينا له ولا محايثا له ، ولا فوقه ولا خلفه ، ولا أمامه ، ولا وراءه ، وعنها قال من قال إن ما نشاهده عن الأعراض الثابتة كالألوان والمقادير والأشكال تتبدل في كل نفس ولحظة ويخلفها غيرها حتى قال من قال : إن الروح عرض وإن الإنسان يستحدث في كل ساعة عدة أرواح تذهب له روح ويجيء غيرها. عنها قال من قال : إن جسم انتن الرجيع وأخبثه مماثل لجسم أطيب في الحد والحقيقة ، لا فرق بينها إلا بأمر عرضي. وأن جسم النار مساو لجسم الماء في الحد والحقيقة. وعنها قالوا : إن الروائح والأصوات والمعارف والعلوم. تؤكل وتشرب وترى وتسمع وتلمس ، وأن الحواس الخمس تتعلق بك موجود. وعنها نفوا عنه تعالى الرضى والغضب والمحبة والرحمة ، والرأفة والضحك والفرح ، بل ذلك كله إرادة محضة او ثواب منفصل مخلوق. وعنها قالوا : أن الكلام معنى واحد بالعين ، لا ينقسم ولا يتبعض ، ولا له جزء ولا كل وهو الأمر بكل شيء مأمور ، والنهي عن كل مخبر عنه. وكذلك قالوا في العلم : إنه أمر واحد فالعلم بوجود الشيء هو عين العلم بعدمه لا فرق بينها البتة بالتعلق. وكذلك قالوا : إن إرادة إيجاد الشيء هي نفس إرادة إعدامه ليس هنا إرادة ، كذلك رؤية زيد هي نفس رؤية عمرو. ومعلوم أن هذا لا يعقل ، بل هو مخالف لصريح العقل.
ومن العجب أنهم لم يثبتوا بها في الحقيقة صانعا ولا صفة من صفاته ولا فعلا من أفعاله ولا نبوة ولا مبدأ ولا معادا ولا حكمة ، بل هي مستلزمة لنفي ذلك كله صريحا ولزوما بينا.
وجاء آخرون فرموا إثبات الصفات والأفعال وموافقتهم في هذه الطريق ، فتجشموا أمرا ممتنعا واشتقوا طريقة لم يمكنهم الوفاء بها ، فجاءوا بطريق بين النفي والإثبات لم يوافقهم فيها المعطلة النفاة لم يسلكوا فيها مسلك أهل الإثبات. وظنوا أنهم بذلك يجمعون بين المعقول والمنقول ، ويصلون في هذه الطريق إلى