وفي الجملة فلا فرق بين الصفاتية وبين الفلاسفة ، لأن الصفاتية يقولون : إن الصفات قائمة بالذات والفلاسفة يقولون : هذه الصفات صور عقلية عوارض متقومة بالذات ، والذي يسميه الصفاتي صفة يسميه الفلسفي عارضا ، والذي يسميه الصفاتي قياما يسميه الفيلسوف قواما ومقوما ولا فرق إلا في العبارات ، إلا فلا فرق في المعنى. هذا لفظه.
فيقول له مثبتوا العلو : هلا قنعت منا بهذا الجواب بعينه حتى قلت يلزم من علوه أن يتميز منه شيء عن شيء ، ويلزم وقوع الكثيرة في الحقيقة الإلهية ، وتكون قد وافقت السمع ونصوص الأنبياء وكتب الله كلها وأدلة العقول والفطر الصحيحة وإجماع أهل السنة قاطبة؟
هذه الحجة العقلية القطعية وهي الاحتجاج بكون الرب قائما بنفسه على كونه مباينا للعلم ، وذلك ملزوم لكونه فوقه عاليا عليه بالذات ، لما كانت حجة صحيحة لا يمكن مدافعتها ، وكانت مما ناظر بها الكرامية (١) أبا إسحاق الأسفرائيني (٢) فر أبو إسحاق إلى كون الرب قائما بنفسه بالمعنى المعقول ، وقال : لا نسلم أنه قائم بنفسه إلا بمعنى أنه عنى عن المحل ، فجعل قيامه بنفسه وصفا عدميا لا ثبوتيا ، وهذا لازم لسائر المعطلة النفاة لعلوه ، ومن المعلوم أن كون الشيء قائما بنفسه أبلغ من كونه قائما بغيره. وإذا كان القيام العرض بغيره
__________________
(١) الكرامية : نسبة إلى محمد بن كرام السجستاني أبو عبد الله الزاهد ، وكان من عباد المرجئة ، وذكر فى كتابه أن الله تعالى مماس لعرشه وأن العرش مكان له وأبدل أصحابه لفظ «المماسة» بلفظ : «الملاقاة» منه للعرش ، وينقسم أتباعه إلى ثلاثة طوائف : حقائقية ، وطرقية ، وإسحاقية.
وانظر تعريفهم وضلالاتهم : (الملل والنحل للشهرستاني : ١ / ١٠٨ ، والفرق بين الفرق فقرة : ١١٩).
(٢) الأسفرائيني : هو ركن الدين إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن مهران ، أبو إسحاق الأسفرائيني قال عنه الحاكم : أخذ عنه الكلام والأصول وعامة شيوخ نيسابور ، وأقر له بالعلم أهل العراق وخراسان ا ه وكان فقيها على مذهب الشافعي رحمهالله توفى (٤١٨ ه) ا ه (وفيات الأعيان : ١ / ٢٨) بتصرف.