فطريا احتج الله به على من أشرك به في عبادته فقال : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ) في غير موضع من كتابه فعلم أن كونه سبحانه خالقا من أظهر شيء عند العقول فكيف يكون الخبر عنه بذلك مجازا وهو أصل كل حقيقة ؛ فجميع الحقائق تنتهي إلى خلقه وإيجاده ، فهو الذي خلق وهو الذي علم كما قال تعالى : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ، عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ) (القلم : ١ ـ ٥) فجميع الموجودات انتهت إلى خلقه وتعليمه. فكيف يكون كونه خالقا عالما مجازا؟ وإذا كان كونه خالقا عالما مجازا لم يبق له فعل حقيقة ولا اسم حقيقة ، فصارت أفعاله كلها مجازات ، وأسماؤه الحسنى كلها مجازات (١).
الوجه الخامس عشر : قوله : ألا ترى أنه لم يكن منه بذلك خلق أفعالنا. لو كان خالقا حقيقة لا محالة لكان خالقا للكفر والعدوان وغيرها من أفعالنا.
كلام باطل على أصل أصحابه القدرية وعلى أصل أهل السنة ، بل على أصول جميع الطوائف فإن جميع أهل الإسلام متفقون على أن الله خالق حقيقة لا مجازا بل وعباد الأصنام وجميع الملل. وأما إخوانه القدرية فإنهم قالوا أنه غير خالق لأفعال الحيوان الاختيارية فإنه لا يقول أحد منهم أنه خالق السموات والأرض وما بينهما مجازا لكونه غير خالق لأفعال الحيوان فإنها لم تدخل تحت قوله : (خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) (العنكبوت : ٤٤) بل لم تدخل عندهم تحت قوله : (اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) (الرعد : ١٦) وإن دخلت تحت هذا اللفظ فهو عندهم عام مخصوص بالعقل نحو قوله : (وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) (النمل : ٢٣) ، و (تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ) (الأحقاف : ٢٥) فإن ادعوا المجاز فهم يدعونه في مثل هذا لكونه عاما مخصوصا وأما نحو قوله : (خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) فلم يقل أحد قط أنه مجاز قبل ابن جنى بناء على ما أصله
__________________
(١) وما قرره مؤخرا هنا هو الوجه الرابع عشر.