النبأ : ٣٧ ، الرحمن : ١ ، ٢) وإنما جاء الرحيم مقيدا ، كقوله : (وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً) (الأحزاب : ٤٣) وقوله : (إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) (التوبة : ١١٧) ، ومقرونا باسم الرحمن كما في «الفاتحة» أو باسم آخر نحو (الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) (السجدة : ٦ ، الروم : ٥ ، يس : ٥ ، الدخان : ٤٢) وأيضا فالرحمن جاء على بناء فعلان الدال على الصفة الثابتة اللازمة الكاملة كما يشعر به هذا البناء نحو غضبان وندمان وحيران ، فالرحمن من صفته الرحمة ، والرحيم من يرحم بالفعل ، وأيضا فلا يخلو إنكارهم لهذا الاسم إما أن تكون دلالته على حقيقة الرحمة أو لا ، فإن كان الأول فمن أنكر أن يكون حقيقة فقد وافقهم ، وإن لم يكن كذلك فمن المعلوم أن موضوع الاسم وحقيقته صفة الرحمة القائمة بموصوفها ، فلو كانت حقيقة الاسم منتفية في نفس الأمر لكان طعنهم أقوى ، وكان ذلك بمنزلة وصفه بالأكل والشرب والنوم والجور ونحوها مما يليق به ـ وبالجملة فالذي أنكر أن يكون الله رحمانا على الحقيقة هو (جهم بن صفوان) وشيعته. قال الله تعالى : (وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ) (الأعراف : ١٤٨).
ومن أعظم الإلحاد في أسمائه إنكار حقائقها ومعانيها والتصريح بأنها مجازات وهو أنواع هذا أحدها (الثاني) جحدها وإنكارها بالكلية (الثالث) تشبيهه فيها بصفات المخلوقين ومعاني أسمائه ، وإن الثابت له منها مماثل للثابت بخلقه ، وهذا يذكره المتكلمون في كتبهم ويجعلونها مقالة لبعض الناس ، وهذه كتب المقالات بين أظهرنا لا نعلم ذلك مقالة لطائفة من الطوائف البتة ، وإنما المعطلة الجهمية يسمون كل من أثبت صفات الكمال لله تعالى مشبها وممثلا ، ويجعلون التشبيه لازم قولهم ويجعلون لازم المذهب مذهبا ، ويسرعون في الرد عليهم وتكفيرهم.
والمقصود أن هؤلاء المعطلة الملحدين في أسماء الرب تعالى هم المشبهون في الحقيقة ؛ لا من أثبت ألفاظها وحقائقها من غير تمثيل ولا تشبيه ، ولهذا لا يأتي الرد في القرآن على هذه الفرقة التي انتصب لها هؤلاء ، فإنها فرقة مقدرة في الأذهان ولا وجود لها في الأعيان وإنما القرآن مملوء من الرد على من شبه