وعلى العلو بالحرف الذي وصل به ، فإن اقتران بالواو دل على الاعتدال بنفسه وعلى معادلته بعد الواد بواسطتها ، وإذا اقترن بحرف الغاية دل على الاعتدال بلفظه وعلى الارتفاع قاصدا لما بعد حرف الغاية بواسطتها ، وزال بحمد الله الاشتراك والمجاز ووضح المعنى وأسفر صبحه ، وليس الفاضل من يأتي إلى الواضح فيعقده ويعميه ، بل من يأتى إلي المشكل فيوضحه ويبينه ، ومن الله سبحانه وتعالى البيان وعلى رسوله صلىاللهعليهوسلم البلاغ وعلينا التسليم.
ونحن نشهد أن الله قد بين غاية البيان الذي لا بيان فوقه ، وبلغ رسوله صلىاللهعليهوسلم البلاغ المبين ، فبلغ المعانى كما بلغ الألفاظ ، والصحابة بلغوا عنه الأمرين جميعا ، وكان تبليغه للمعانى أهم من تبليغه للألفاظ ، ولهذا اشترك الصحابة في فهمها ، وأما حفظ القرآن فكان في بعضهم.
قال أبو عبد الرحمن السلمي : حدثنا الذين كانوا يقرءوننا القرآن كعثمان وعبد الله بن مسعود أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي صلىاللهعليهوسلم عشر آيات لم يجازوها حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل جميعا.
وهذه الآثار المحفوظة عن الصحابة والتابعين كلها متفقة على أن الله نفسه فوق عرشه ، وقال أئمة السنة بذاته فوق عرشه وأن ذلك حقيقة لا مجاز وأكثر من صرح أئمة المالكية كما تقدم حكاية ألفاظهم.
الوجه الثاني والأربعون : إنا لو فرضنا احتمال اللفظ في اللغة لمعنى الاستيلاء والخمسة عشر معنى فالله ورسوله صلىاللهعليهوسلم قد عين بكلامه منها معني واحدا ، ونوّع الدلالة عليه أعظم تنويع حتى يقام بذلك ألف دليل ، فالصحابة كلهم متفقون لا يختلفون في ذلك المعنى ولا التابعون وأئمة الإسلام ، ولم يقل أحد منهم أنه بمعنى استولى ، وإنه مجاز ، فلا يضر الاحتمال بعد ذلك في اللغة لو كان حقا ، ولما سئل مالك وسفيان بن عيينة وقبلهما ربيعة بن عبد الرحمن عن الاستواء فقالوا : الاستواء معلوم ، تلقى ذلك عنهم جميع أئمة الإسلام ، ولم