على حقيقتها وجعلتم الباب بابا واحدا ، وإن كانت مجازا وهو حقيقة قولكم فلا يد ولا قدرة ولا إحسان في الحقيقة ، وإنما ذلك مجاز محض والفرق بين هذا الوجه والذي قبله أن ذلك إلزام المجاز في الصفات التي وافقوا على أنها حقيقة ، وهذا إلزام نفي ما ادعوا أنه مجاز اليد ، فيلزمهم نفي ذلك كله إن استلزم تشبيها أو تجسيما ، أو إثبات الجميع إن لم يستلزم ذلك ، وأما كون بعض الصفات يستلزم التشبيه والتجسيم ، وبعضها لا يستلزمه ، فهذا غير معقول لا معلوم بصورة ولا نظر ، ولا نص ولا قياس.
الوجه العشرون : إن إبطال حقيقة اليد ونفيها وجعلها مجازا هو في الأصل قول الجهمية المعطلة ، وتبعهم عليه المعتزلة وبعض المستأخرين ممن ينسب إلى الأشعري ، والأشعري وقدماء أصحابه يردون على هؤلاء ويبدعونهم ويثبتون اليد حقيقة. قال عبد العزيز بن يحيى المالكي الكناني جليس الشافعي والخصيص به ـ مات قبل الإمام أحمد ـ في كتابه «الرد على الجهمية والزنادقة» قال :
يقال للجهمي : أتقول إن لله وجها وله نفسا وله يدا؟ فيقول نعم لكن معنى وجه الله هو الله ، ومعنى نفسه عينه ، ومعنى يده نعمته. قال : والجواب أن يقال له ـ فذكر كلاما يتعلق بالوجه والنفس ـ ثم قال :
أما قوله في اليد إنها يد نعمة ، كما تقول العرب : لك عندي يد ، فقد قال الله تعالى : (بِيَدِكَ الْخَيْرُ) (آل عمران : ٢٦) وقال : (فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ) (يس : ٨٣) وقال (تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ) (الملك : ١) وقال : (يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) (الفتح : ١٠) وقال : (بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ) (المائدة : ٦٤) قال : فزعم الجهمي أن يد الله نعمته ، فبدل قولا غير الذي قيل له ، فأراد الجهمى أن يبدل كلام الله ، إذ أخبر أن له يدا بها ملكوت كل شيء ، فبدل مكان اليد نعمة. وقال : العرب تسمي اليد نعمة ، قلنا له : العرب تسمي النعمة يدا ، وتسمى يد الإنسان يدا ، فإذا أرادت يد الذات جعلت على قولها علما ودليلا يعقل به السامع أنها أرادت الذات ، وإذا أرادت يد النعمة