هذه ألفاظ رسول الله ثم قال : «كيف ترون فرح هذا براحلته؟» قالوا عظيما يا رسول الله ، قال : «فو الله لله أشد فرحا بتوبة عبده من هذا براحلته».
فهذا الكشف والبيان والإيضاح لا مزيد عليه تقرير لثبوت هذه الصفة ، ونفي الإجمال والاحتمال عنها.
وكذلك قوله في حديث النداء : «فيناديهم بصوت» (١) فذكر الصوت تحقيقا لصفة النداء وتقريرا ، ولو لم يذكره لدل عليه لفظ النداء ، كما لو قيل : يعلم بعلم ويقدر بقدرة ويبصر ببصر ، وهذا ونحوه إنما يراد به تحقيق الصفة وإثباتها ، لا تشبيه الموصوف وتمثيله ، كما أن قوله (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) إنما سبق لإثبات الصفات وعظمتها لا لنفيها كما قال عثمان بن سعيد الدارمي في قوله (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) قال معناه هو أحسن الأشياء وأجملها ، وقالت الجهمية : معناه ليس هناك شيء.
ومن هذا حديث الصورة وقوله : «خلق آدم على صورة الرحمن» (٢) لم يرد به تشبيه الرب وتمثيله بالمخلوق ، وإنما أراد به تحقيق الوجه وإثبات السمع والبصر والكلام صفة ومحلا ، والله أعلم.
الوجه الرابع : أنهم كانوا يسألونه عما يشكل عليهم من الصفات فيجيبهم بتقريرها ، لا بالمجاز والتأويل الباطل ، كما سأله أبو رزين العقيلى عن صفة الضحك لما قال «ينظر إليكم أزلين مشفقين فيظل يضحك يعلم أن فرجكم قريب». فتعجب أبو رزين من ضحك الرب تعالى وقال : يا رسول الله أو يضحك الرب؟ فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم نعم. فقال : لن نعدم من رب يضحك خيرا (٣) والجهمي لو سئل عن ذلك لقال : لا يجوز عليه الضحك كما لا يجوز عليه الاستواء والنزول والإتيان والمجيء.
__________________
(١) تقدم تخريجه قريبا.
(٢) رواه البخاري (٦٢٢٧) ، ومسلم (٢٨٤١).
(٣) تقدم تخريجه.