الأنصار منّا أمير ومنكم أمير واتفقوا على رئيسهم سعد (١) بن عبادة الأنصاري ، فاستدركه أبو بكر وعمر رضي الله عنهما في الحال بأن حضرا سقيفة بني ساعدة ، وقال عمر : كنت أزوّر (٢) في نفسي كلاما في الطريق ، فلمّا وصلنا إلى السقيفة أردت أن أتكلّم ، فقال أبو بكر : مه (٣) يا عمر ، فحمد الله وأثنى عليه ، وذكر ما كنت أقدّره في نفسي كأنه يخبر عن غيب ، فقبل أن يشتغل الأنصار بالكلام مددت يدي إليه فبايعته وبايعه الناس وسكنت الفتنة ، إلّا أن بيعة أبي بكر كانت فلتة (٤) وقى الله المسلمين شرّها ، فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه ، فأيّما رجل بايع رجلا من غير مشورة من المسلمين فإنهما تغرّة (٥) يجب أن يقتلا.
وإنما سكتت الأنصار عن دعواهم لرواية أبي بكر عن النبي عليه الصلاة والسلام «الأئمّة من قريش» وهذه البيعة هي التي جرت في السقيفة ، ثم لمّا عاد إلى المسجد انثال (٦) الناس عليه وبايعوه عن رغبة ، سوى جماعة من بني هاشم ، وأبي سفيان من بني أميّة ، وأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه كان مشغولا بما أمره النبي صلىاللهعليهوسلم من تجهيزه ودفنه وملازمة قبره من غير منازعة ولا مدافعة.
* * *
* الخلاف السادس : في أمر فدك (٧) والتوارث عن النبي عليه الصلاة
__________________
(١) هو أبو ثابت. صحابي. كان سيّد الخزرج وأحد الأمراء الأشراف في الجاهلية والإسلام. شهد أحدا والخندق وغيرهما. وكان أحد النقباء الاثني عشر. ولما توفي رسول الله صلىاللهعليهوسلم طمع بالخلافة ولم يبايع أبا بكر. فلما صار الأمر إلى عمر عاتبه ، فقال سعد : وكان والله صاحبك (أبو بكر) أحبّ إلينا منك ، وقد والله أصبحت كارها لجوارك. فقال عمر : من كره جوار جاره تحول عنه. توفي سنة ١٤ ه / ٦٣٥ م.
(راجع تهذيب ابن عساكر ٦ : ٨٤ والإصابة والترجمة ٣١٦٧ والأعلام ٣ : ٨٦).
(٢) أزوّر كلاما : أحسنه وأنمّقه.
(٣) مه : اسم فعل مبني على السكون بمعنى انكفف. وقد يقال : مه مه. فإن وصلت نونت.
(٤) فلتة : عمل دون تدبّر وتمهّل.
(٥) غرّر تغريرا وتغرّة بالشيء : عرّضه للهلاك.
(٦) انثال عليه الناس : تكاثروا حوله.
(٧) فدك : بالتحريك : قرية بالحجاز بينها وبين المدينة يومان. كانت لليهود. أفاءها الله على رسوله صلىاللهعليهوسلم في ـ