لا يقال : أخبرنا من شاهدناه مع بلوغهم حدّ التواتر : أنّ من أخبرهم [كانوا] كذلك ، وهكذا إلى ان ينتهي النقل إلى الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم.
ولأنّها لو تجدّد وضعها لاشتهر ، لتوفّر الدّواعي على نقله.
لأنّا نقول : كلّ من سمع لغة معيّنة من غيره ، لم يسمع منه أنّه سمعها من أهل التواتر ، بل غاية نقلهم الإسناد إلى أستاذ ، أو كتاب مصحّح ، وليس وضع اللفظ لمعنى من الأمور العظيمة الّتي يشتهر نقلها ، وتتوفّر الدّواعي عليه.
ولأنّا نسمع من كثير من العرب في زماننا ألفاظا فاسدة ، وإعرابا مختلّا ، مع أنّا لا نعرف المغيّر ولا زمانه.
سلّمنا ، لكنّه قد اشتهر بأنّ اللّغة إنّما أخذت عن جمع محصور ، كالخليل (١) ، وأبي عمرو بن العلاء (٢) ، والأصمعيّ (٣) ، وأبي عمرو الشيباني (٤) ، وأمثالهم ، وهؤلاء ليسوا معصومين ، ولا بلغوا حدّ التواتر ، فحينئذ لا يحصل القطع بقولهم ، ولا يكفي القطع بصدق بعضها ، فإنّه غير معلوم العين ، فلا لفظ إلّا ويجوز أن يكون خطأ.
وأمّا الآحاد فلا تفيد إلّا الظنّ ، ومعرفة القرآن والسّنة تتوقّف على معرفة
__________________
(١) أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد الفراهيدي المتوفّى سنة ١٧٥ ه.
(٢) أبو عمرو زبان بن العلاء التميمي المازني أحد القراء السبعة المتوفّى سنة ١٥٩ ه.
(٣) هو عبد الملك بن قريب كان إماما في النحو واللغة مات سنة ٢١٧ ه.
(٤) هو إسحاق بن مرار ، لازمه أحمد بن حنبل وروى عنه مات سنة ٢٠٦ ه ببغداد ، من مصنّفاته : «غريب الحديث» و «النوادر» و «كتاب الجيم».