ويقرب (١) مذهب هؤلاء من مذهب القائل بالنّدب.
وتوقّف أبو الحسين الأشعري (٢) وجماعة من أصحابه كالقاضي أبي بكر (٣) والغزالي (٤) وغيرهما.
والوجه عندي : أنّها من حيث اللّغة موضوعة للطّلب مطلقا ، ومن حيث الشّرع للوجوب.
أمّا الأوّل فلوجوه :
الأوّل : الطّلب معنى تشدّ الحاجة إلى التعبير عنه ، فوجب أن يوضع له لفظ يدلّ عليه ، وهو لفظة «افعل» ، إذ لا لفظة له سواها.
الثاني : الطّلب من حيث هو جنس للمانع من النقيض وعدمه ، وكلّ واحد منهما فصل له ، ولا يوجد إلّا في أنواعه.
واللفظ الدالّ عليه مع اقترانه بأحد الفصلين هو «افعل» ، وكذا مع اقترانه بالفصل الآخر ، من غير أولويّة لأحدهما في إطلاقه عليه ، فوجب أن يكون حقيقة فيه.
الثالث : صيغة «افعل» قد استعملت تارة في الوجوب ، وأخرى في
__________________
(١) في «أ» و «ب» : ويعرف.
(٢) هو علي بن إسماعيل من أهل البصرة ، كان معتزليّا تربى في بيت أبي علي الجبائيّ وتتلمذ عليه ، وتاب من ذلك بعد أن أقام على عقيدتهم أربعين سنة ، وأصبح رئيسا لطائفة تنسب إليه ، مات سنة ٣٢٤ ه. لاحظ وفيات الأعيان : ١ / ٤٦٤.
(٣) التقريب والإرشاد الصغير : ٢ / ٢٧ و ٣٥.
(٤) المستصفى من علم الأصول : ٢ / ٧٠.