وحكى خطاب الثائر العظيم ما ستعانيه الامّة في مستقبلها من الويلات من جرّاء فصل الخلافة عن بيت النبوّة ومركز الدعوة الإسلامية ، وتحقّق ذلك على مسرح الحياة الإسلامية ، فقد سفكت الدماء ، وتهالك الأشرار من بني أميّة على الحكم ، فعاثوا فسادا في الأرض حينما استولوا عليه ، فأنفقوا أموال المسلمين على رغباتهم وشهواتهم ، ونكلوا أشد التنكيل وأقساه بعترة النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم.
أمّا المقداد فهو من أعلام الإسلام ، ومن خلّص أصحاب الإمام عليهالسلام ، ومن عيون أصحابه ، وقد نقم على أبو بكر وخاطبه بعنف قائلا :
يا أبا بكر ، ارجع عن ظلمك ، وتب إلى ربّك ، وسلّم الأمر إلى صاحبه الذي هو أولى به منك ، فقد علمت ما عقده رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في عنقك من بيعته ... (١) ، وألزمك بالنفوذ تحت راية اسامة بن زيد ، وهو مولاه ، ونبّه على بطلان وجوب هذا الأمر لك ولمن عضدك عليه ، بضمّه لكما إلى علم النفاق ومعدن الشنآن والشقاق عمرو بن العاص الذي أنزل الله فيه على نبيّه ( إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ ) (٢).
وأضاف بعد ذلك قائلا :
اتّق الله ، وبادر بالاستقالة قبل فوتها ، فإنّ ذلك أسلم لك في حياتك وبعد وفاتك ، ولا تركن إلى دنياك ، ولا تغرّنك قريش وغيرها ، فعن قليل تضمحلّ عنك دنياك ، ثمّ تصير إلى ربّك فيجزيك بعملك ، وقد علمت وتيقّنت أنّ عليّ بن أبي طالب هو صاحب الأمر بعد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فسلّمه إليه ما جعله الله له ، فإنّه أتمّ
__________________
(١) يشير بذلك إلى حديث الغدير الذي بايع فيه المسلمون الإمام بالإمرة والخلافة ، والحديث مجمع عليه.
(٢) الكوثر : ٣.