هو للفقراء ، وعلى هذا فيكون الحديث أجنبيا عن الاستدلال به من عدم توريث النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم لما تركه من الأموال.
وضاقت الدنيا على زهراء الرسول ووديعته في امّته من الإجراءات الصارمة التي اتّخذها أبو بكر ضدّها ، فرأت أن تلقي الحجّة عليه ، وتحفّز المسلمين للإطاحة بحكومته ، ويتحدّث الرواة أنّها سلام الله عليها استقلّت غضبا ، فلاثت خمارها ، واشتملت بجلبابها ، وأقبلت في لمّة من حفدتها ونساء قومها ، تطأ ذيولها ، ما تخرم مشيتها مشية رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم حتى دخلت على أبي بكر وهو في الجامع الأعظم ، وقد احتفّ بها المهاجرون والأنصار وغيرهم ، وقد أنيطت دونها ملاءة (١) تكريما لها ، فأنّت أنّة حسرة وألم وبكاء ، فأجهش القوم لها بالبكاء وارتجّ المجلس ، وذلك لأنّهم رأوا في شخصيّتها العظيمة شخصيّة أبيها العظيم الذي لم يعقب غيرها ؛ ولأنّهم قصّروا في حقّها وحقّ زوجها ، ولمّا سكن نشيجهم وهدأت فورتهم افتتحت خطابها الخالد بحمد الله والثناء عليه ، وانحدرت في خطابها كالسيل ، فلم يسمع قبلها ولا بعدها من هو أخطب منها ، وحسبها أنّها ابنة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أفصح من نطق بالضاد ، وقد ورثت بلاغته وفصاحته ..
وتحدّثت في خطابها الخالد عن معارف الإسلام وفلسفة تشريعاته وعلل أحكامه ، وعرضت إلى ما كانت عليه حالة الامم قبل أن يشرق عليها نور الإسلام من الجهل والانحطاط ووهن العقول وضحالة الفكر ، خصوصا الجزيرة العربية ، فقد كانت على شفا حفرة من النار مذقة الشارب ، ونهزة الطامع ، وقبسة العجلان ، وموطئ الأقدام ، وكانت حياتها الاقتصادية بالغة السوء ، فالأكثرية الساحقة كانت
__________________
(١) الملاءة : الحجاب والستر.