وبرّر الدكتور طه حسين ما اتّخذه عمر من فرض الحصار على الصحابة بقوله :
ولكنّه ـ أي عمر ـ خاف عليهم ـ أي على الصحابة ـ الفتنة ، فأمسكهم في المدينة لا يخرجون منها إلاّ بإذنه ، وحبسهم عن الأقطار المفتوحة ، لا يذهبون إليها إلاّ بأمر منه خاف أن يفتتن الناس بهم ، وخاف عليهم أن يغرهم افتتان الناس بهم ، وخاف على الدولة عواقب هذا الافتتان (١).
وفيما أرى أنّ هذا التوجيه لا يحمل أي طابع من التحقيق فإنّ الصحابة الذين راموا السفر من يثرب إلى الأقطار والأقاليم التي فتحها الإسلام إن كانوا من الأخيار والمتحرّجين في دينهم فإنّهم بكلّ تأكيد يكونون مصدر هداية ومصدر خير وتهذيب إلى الشعوب المتطلّعة لهدي الإسلام ومعرفة أحكامه ، وهم ـ من دون شكّ ـ يشيعون الفضيلة ويعملون على تهذيب السلوك ونشر محاسن الأخلاق. وإنّ كانوا من الذين فتنتهم الدنيا ، وخدعتهم مظاهر الفتوحات الإسلامية فلعمر الحقّ في منعهم من السفر رسما لا شرعا حفظ لصالح الدولة ووقاية للناس من الفتنة بهم ، ولكن لم يؤثر عنه أنّه فرض الحصار على فريق من الصحابة دون فريق وإنّما فرضه على جميع الصحابة ، وبذلك فقد حال بينهم وبين حرياتهم.
والشيء البارز في سياسة عمر مع الولاة والعمّال أنّه لم يعهد بأي منصب من مناصب الدولة إلى أحد من الاسرة النبوية ، وإنّما أقرّ من ولاّهم أبو بكر في مناصبهم ، كما لم يعيّن أحدا من الصحابة البارزين أمثال طلحة والزبير ، وقيل له :
إنّك استعملت يزيد بن أبي سفيان وسعيد بن العاص وفلانا وفلانا من المؤلّفة
__________________
(١) الفتنة الكبرى ١ : ١٧.