ورفع الوفد المصري مذكّرة لعثمان يدعوه فيها إلى الاستقامة في سلوكه والتوازن في سياسته ، وهذا نصّها :
أمّا بعد ، فاعلم أنّ الله لا يغيّر ما بقوم حتّى يغيّروا ما بأنفسهم ، فالله الله ، ثمّ الله الله ، فإنّك على دنيا زائلة فاستقم معها ، ولا تنس نصيبك من الآخرة ، فلا تسوّغ لك الدنيا ، وأعلم أنّا لله ، ولله نغضب ، وفي الله نرضى ، وأنّا لا نضع سيوفنا عن عواتقنا حتى تأتينا منك توبة أو ضلالة مجلحة مبلجة (١) ، فهذه مقالتنا لك ، وقضيتنا إليك ، والله عذيرنا منك والسلام .. » (٢).
وحوت هذه المذكّرة الدعوة إلى الاصلاح والاستقامة ، وقد قرأها عثمان بإمعان ، وحوله المصريّون قد أحاطوا به ، فبادر المغيرة بن شعبة فطلب منه أن يتكلّم مع المصريّين ، فأذن له ، ولمّا أراد أن يفتح معهم صاحوا جميعا :
يا أعور وراءك.
يا فاجر وراءك.
يا فاسق وراءك.
ورجع المغيرة خائبا لم تفلح وساطته ، ودعا عثمان عمرو بن العاص وطلب منه أن يكلّم القوم ، فبادر تجاههم وسلّم عليهم ، فلم يردّ أحد منهم عليهالسلام لعلمهم بفسقه وصاحوا به :
ارجع يا عدوّ الله ..
ارجع يا ابن النابغة ، لست عندنا بأمين ولا مأمون ..
__________________
(١) مجلحة : هي الإقدام على الشيء. مبلجة : واضحة بيّنة.
(٢) تاريخ الطبري ٥ : ١١١. أنساب الأشراف ٥ : ٦٤ ـ ٦٥.