وبعد ما شاعت الهزائم الساحقة في صفوف القرشيّين وأخزاهم الله وأذلّهم رأى النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بفكره الثاقب ورأيه الأصيل أنّه لا يستقيم للمسلمين أمر ولا تسلم لهم دولة ولا تسود كلمة الإسلام في الأرض مع وجود قوّة اليهود ، وهم من ألدّ أعداء الإسلام ، وتلك القوة هي حصون خيبر التي كانت مصنعا للأسلحة على اختلاف أنواعها من السيوف والرماح والدروع والدبابات التي كانت تقذف بالماء الحار والرصاص بعد إذابته ، وهي من أخطر الأسلحة في ذلك العصر ، وكانت اليهود هي التي تمدّ القوى المحاربة للإسلام بالأسلحة ... وزحف النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بجيشه لاحتلال حصون خيبر ، وأسند قيادة جيشه لأبي بكر ، فمضى ، ولمّا أشرف على الحصون قوبل بالقذائف فرجع منهزما خائبا ، وفي اليوم الثاني أسند النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم قيادة الجيش إلى عمر بن الخطّاب ، فكان كصاحبه أبي بكر ، فقفل راجعا منهزما ، وظلّت الحصون مغلقة لم يمسّها أحد بسوء ...
وبعد ما عجز الجيش من اقتحام الحصن أعلن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه سيعيّن القائد الذي يفتح الله على يده قائلا :
« لأدفعنّ الرّاية غدا إلى رجل يحبّ الله ورسوله ، ويحبّه الله ورسوله ، لا يرجع حتّى يفتح الله له » (٢).
واستشرف الجيش بفارغ الصبر ينتظرون القائد الملهم الذي يفتح الله على يده ، ولم يظنّوا أنّه الإمام ؛ لأنّه كان مصابا برمد ، ولمّا اندلع نور الصباح دعاه
__________________
(١) خيبر : اسم ولاية مشتملة على حصون ومزارع ونخل كثير تبعد عن المدينة ثلاثة أيام ، سمّيت باسم أوّل من نزلها وهو خيبر أخو يثرب من أبناء عاد ، وكانت غزوة خيبر في آخر السنّة السادسة من الهجرة ، جاء ذلك في خزانة الأدب ٦ : ٦٩.
(٢) حلية الأولياء ١ : ٦٢. صفة الصفوة ١ : ١٦٣. مسند أحمد ١ : ١٨٥ ، رقم الحديث ٧٧٨.