الأزهار .. وبادرت السيّدات من نساء المسلمين إلى عيادتها فقلن لها :
كيف أصبحت من علّتك يا بنت رسول الله؟ ..
فرمقتهنّ بطرفها ، وأجابتهنّ بصوت خافت مشفوع بالأسى والحسرات :
« أجدني كارهة لدنياكم ، مسرورة لفراقكنّ ، ألقى الله ورسوله بحسراتكنّ فما حفظ لي الحقّ ، ولا رعيت منّي الذّمّة ، ولا قبلت الوصيّة ، ولا عرفت الحرمة ... » (١).
وحكت هذه الكلمات مدى آلامها وشجونها من تقصير القوم بحقّها ، فما حفظوا حقّها ولا رعوا وصيّة النبي فيها.
وبلغ من كراهتها لنساء القوم أنّهنّ طلبن حضورهنّ عند وفاتها فقلن لها :
يا بنت رسول الله ، صيّري لنا في حضور غسلك حظّا؟
فأبت وقالت بمرارة :
« أتردن أن تقلن فيّ كما قلتنّ في أمّي ، لا حاجة لي في حضوركنّ ... » (٢).
الزهراء في ذمّة الخلود :
وطافت بزهراء الرسول موجات عاتية من الآلام على فقد أبيها وغصب حقّها ، فقد برح بها المرض وأضرّ الأسى بقلبها الرقيق المعذّب ، وقد فتكت بها الآلام ، ومشى إليها الموت سريعا وهي في فجر الصبا وروعة الشباب .. فقد حان موعد اللقاء بينها وبين أبيها الذي طلبت لقياه بفارغ الصبر.
ودعت زهراء الرسول الإمام ، فلمّا مثل عندها أوصته بأمور كان منها :
__________________
(١) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٩٥.
(٢) حياة الإمام الحسن بن عليّ عليهماالسلام ١ : ١٨٢.