وكان مصعب فتى قريش آمن بالنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم إيمانا نفذ إلى أعماق قلبه ودخائل نفسه ، وتعرّض إلى أعنف ألوان التعذيب ، وقد بعثه النبيّ إلى يثرب مبشّرا بالدين الإسلامي وداعيا إلى الله ، وقد أسلم الكثيرون من المدنيّين على يده .. وكان أحد القادة في جيش الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم في معركة أحد ، وقد قتله ابن قمنة ظانّا أنّه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وقد رفع عقيرته قائلا : قتلت محمّدا ، وقد خسرت القيادة الإسلامية في جيش الرسول أنبل قائد فيها ، رحمهالله وأجزل له المزيد من الأجر ، فما أعظم عائدته على الإسلام (١)!
وتوالت الهزائم المنكرة في جيش المسلمين ، وفرّ معظمهم يطاردهم الفزع والخوف ، وزاد في رعبهم نداء أبي سفيان أنّ محمّدا قد قتل .. وتركوا النبيّ وقد أحاط به أعداء الله ، وقد اصيب بجروح بالغة وقد وقع في حفرة عملها أبو عامر وأخفاها ليسقط فيها المسلمون من حيث لا يعلمون ، وكان الإمام إلى جانبه فأخذ بيده ورفعه طلحة بن عبيد الله حتى استوى قائما (٢) ، ولم يبق مع النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم إلاّ نفر قليل في طليعتهم الإمام أمير المؤمنين عليهالسلام ، فالتفت إليه النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال له :
« يا عليّ ، ما فعل النّاس؟ ».
فأجابه بأسى ومرارة :
« نقضوا العهد وولّوا الدّبر ... ».
وحملت على النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم عصابة مجرمة من القرشيّين ، فضاق منهم ذرعا فقال
__________________
(١) السيرة النبوية ـ ابن هشام ٢ : ٧٣.
(٢) أعيان الشيعة ٣ : ١١١.