وبادر عبد الله فوضع خدّ أبيه على الأرض ، وأخذ يجهش بالبكاء ويقول :
يا ويل عمر!! وويل أمّ عمر!! إن لم يتجاوز الله عنه (١) ، ولعلّه قد لاحت له في تلك اللحظات الأخيرة من حياته ما أنزله بالاسرة النبوية من النكبات والأزمات.
وعلى أي حال فإنّ عمر بعث ولده إلى عائشة يستأذن منها أن يدفن مع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وأبي بكر فسمحت بذلك (٢) ، وعلّقت الشيعة على ذلك فقالت : إنّ ما تركه النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم من متع الحياة إن كان لا يرثه أهله ، وإنّما هي لولي الأمر من بعده حسب ما يرويه أبو بكر ، فلا وجه للاستئذان من عائشة ، وإن كان يرجع إلى ورثة النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم كما يقول بذلك أهل البيت عليهمالسلام فليس لعائشة فيه أي نصيب ؛ لأنّ الزوجة لا ترث من الأرض ، وإنّما ترث من البناء ، حسبما قرّره فقهاء المسلمين ، ولا بدّ حينئذ أن يكون الإذن في دفنه من ورثة النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ولم يتحقّق ذلك.
ونظام الشورى الذي وضعه عمر كنظام السقيفة ، قد أخلد للمسلمين المصاعب وألقتهم في شرّ عظيم ، وهو نظام مفضوح لا غبار عليه في أنّ القصد منه إقصاء الإمام عليهالسلام عن قيادة الامّة وتسليمها لبني أميّة إرضاء لعواطف القرشيّين المترعة بالحقد والكراهية للإمام أمير المؤمنين عليهالسلام.
ونحن نعرض إلى الشورى العمرية بدراسة وتحليل بعيدة عن العواطف التقليدية ، لم نقصد بذلك إلاّ إبراز الواقع التأريخي على ما هو عليه.
وعلى أي حال ، فإنّ عمر لمّا أحسّ بدنو الأجل المحتوم منه أخذ يمعن فيمن
__________________
(١) شرح نهج البلاغة ـ ابن أبي الحديد ١٢ : ١٩٣.
(٢) المصدر السابق : ١٩٠.