ونصح الإمام عليهالسلام عمر في موضعين ، وأسدل عمّا يكنّه من الموجدة من ضياع حقّه ، وذلك حفظا لكلمة الإسلام وهما :
ورام عمر أن يمضي لغزو الروم ، فنهاه الإمام عن ذلك وقال له :
« إنّك متى تسر إلى هذا العدوّ بنفسك ، فتلقهم فتنكب ، لا تكن للمسلمين كانفة (١) دون أقصى بلادهم. ليس بعدك مرجع يرجعون إليه ، فابعث إليهم رجلا محربا ، واحفز معه أهل البلاء والنّصيحة ، فإن أظهر الله فذاك ما تحبّ ، وإن تكن الأخرى ، كنت ردءا للنّاس ومثابة للمسلمين .. ».
واستشار عمر الإمام في الخروج بنفسه لغزو الفرس ، فأشار عليه بعدم خروجه قائلا :
« إنّ هذا الأمر لم يكن نصره ولا خذلانه بكثرة ولا بقلّة. وهو دين الله الّذي أظهره ، وجنده الّذي أعدّه وأمدّه ، حتّى بلغ ما بلغ ، وطلع حيث طلع ؛ ونحن على موعود من الله ، والله منجز وعده ، وناصر جنده. ومكان القيّم بالأمر مكان النّظام من الخرز يجمعه ويضمّه : فإن انقطع النّظام تفرّق الخرز وذهب ، ثمّ لم يجتمع بحذافيره أبدا. والعرب اليوم ، وإن كانوا قليلا ، فهم كثيرون بالإسلام ، عزيزون بالاجتماع! فكن قطبا ، واستدر الرّحا بالعرب ، وأصلهم دونك نار الحرب ، فإنّك إن شخصت من هذه الأرض انتقضت عليك العرب من أطرافها وأقطارها ، حتّى يكون ما تدع وراءك من
__________________
(١) الكانفة : هي العاصمة التي يلجئون إليها.