هذه بعض آفات الشورى وهي ـ بصورة جازمة غير خاضعة للأهواء والعواطف المذهبية ـ هي التي مهّدت الطريق للطلقاء وأبنائهم للاستيلاء على السلطة والقبض على زمام الحكم ، وإبعاد القوى الإسلامية عن الحياة السياسية ، الأمر الذي نجم منه نهب ثروات الامّة وإذلال الأخيار والتنكيل بعترة النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم.
ولمّا مضى عمر لربّه ، وواروه في مقرّه الأخير أحاط الشرطة بأعضاء الشورى ، وألزموهم بالاجتماع واختيار شخص منهم ليتولّى شئون المسلمين تنفيذا لوصية عمر.
واجتمع أعضاء الشورى في بيت المال ، وقيل في بيت مسرور بن مخرمة ، وأشرف على عملية الانتخاب الإمام الحسن وعبد الله بن عبّاس ، وبادر المغيرة بن شعبة وعمرو بن العاص فجلسا في عتبة الباب فنهرهما سعد بن أبي وقّاص وقال لهما : تريدان أن تقولا حضرنا وكنّا في أهل الشورى.
وتداول الأعضاء فيما بينهم الحديث عمّن هو أحقّ بالخلافة وولاية أمر المسلمين ، وانبرى الإمام أمير المؤمنين فحذّرهم مغبة ما يحدث من الفتن والفساد إن استجابوا لعواطفهم ولم يؤثروا مصلحة الامّة ... قائلا :
لن يسرع أحد قبلي إلى دعوة حقّ ، وصلة رحم ، وعائدة كرم. فاسمعوا قولي ، وعوا منطقي ؛ عسى أن تروا هذا الأمر ـ أي الخلافة ـ من بعد هذا اليوم تنتضى فيه السّيوف ، وتخان فيه العهود ، حتّى يكون بعضكم أئمّة لأهل الضّلالة ، وشيعة لأهل الجهالة.
ولم يستجيبوا لدعوة الإمام ولم يعوا منطقه ، وانسابوا وراء رغباتهم تسيّرهم القوى القرشية المحيطة بهم ، والتي تريد انتخاب من يضمن مصالحها ويحقّق نفوذها غير حافلين بمصلحة الامّة.