وعلى أي حال فقد عمّ الجدل بين أعضاء الشورى ، ولم ينتهوا إلى غاية مريحة ، وجماهير الشعب كانت تنتظر بفارغ الصبر النتيجة الحاسمة ... وعقد الاجتماع مرّة أخرى إلاّ أنّه باء بالفشل ، وأشرف على أعضاء الشورى أبو طلحة الأنصاري ، فأخذ يتهدّدهم ويتوعّدهم قائلا : لا والّذي نفس عمر بيده لا أزيدكم على الأيام الثلاثة التي امرتم ...
واقترب اليوم الثالث الذي عيّنه عمر ، فانعقد الاجتماع ، فانبرى طلحة فوهب حقّه لعثمان ، وإنّما فعل ذلك لأنّه كان حاقدا على الإمام بسبب منافسته لابن عمّه أبي بكر على الخلافة ، واندفع الزبير فوهب صوته للإمام عليهالسلام ، وانطلق سعد فوهب حقّه لعبد الرحمن بن عوف ...
وكان رأي عبد الرحمن هو الفيصل والحاسم لأنّ عمر قد وضع ثقته به وأناط به أمر الشورى ، إلاّ أنّه كان ضعيف الإرادة لا قدرة له على إرادة شئون الحكم ، فأجمع رأيه على ترشيح غيره للخلافة ، وكان له هوى مع عثمان لأنّه صهره ، وقد أشار عليه عامّة القرشيّين في انتخابه ، وزهّدوه في الإمام عليهالسلام لأنّه الوحيد الذي وترهم في سبيل الإسلام.
وحلّت الساعة الرهيبة التي لم يخضع فيها ابن عوف لمصلحة المسلمين ، واتّبع هوى القرشيّين الذين ناهضوا الإسلام في جميع مراحله.
والتفت ابن عوف إلى ابن اخته مسوّر فقال له :
يا مسوّر ، اذهب فادع عليّا وعثمان.
بأيّهما أبدأ؟
بأيّهما شئت.
ومضى مسوّر مسرعا فدعا عليّا وعثمان ، وازدحم المهاجرون من قريش والأنصار وسائر الناس ، فعرض عليهم الأمر وقال لهم :