وكان المصلّون يقولون : آمين (١) ، وكانت جموع المسلمين تمرّ على الجثمان العظيم فتلقي عليه نظرة الوداع وهي مذهولة ، قد هامت في تيارات من الهواجس ، فقد مات المنقذ ، ومات المعلّم ، ومات من أسّس لهم دولة تدعو إلى تطوّرهم وسعادتهم.
وبعد ما فرغ المسلمون من الصلاة على الجثمان العظيم قام الإمام بحفر القبر ، وبعد الانتهاء منه وارى جثمان أخيه ، وقد وارى أعظم شخصية خلقها الله في الأرض ، وأفضل هبة من الله لعباده ... وقد انهارت قوى الإمام ، ووقف على حافّة القبر ، وهو يروي ترابه من ماء عينيه قائلا :
إنّ الصّبر لجميل إلاّ عنك ، وإنّ الجزع لقبيح إلاّ عليك ، وإنّ المصاب بك لجليل ، وإنّه قبلك وبعدك لجلل (٢).
وانطوت في ذلك اليوم الخالد في دنيا الأحزان ألوية العدل ، وغاب ذلك النور الذي أضاء سماء الكون وغيّر مجرى حياة الإنسان من واقع مظلم ليس فيه بصيص من النور إلى حياة آمنة مزدهرة بالعدل ، تتلاشى فيها آهات المظلومين وأنين المحرومين وتنبسط فيها خيرات الله على عباده.
وفزع أهل البيت عليهمالسلام كأشدّ ما يكون الفزع وداخلهم خوف رهيب من الاسر القرشيّة الذين وترهم الإمام بسيفه وروى الأرض من دمائهم ، وكانت تتربّص بهم الدوائر ، وتبغي لهم الغوائل ، وقد بات أهل البيت بأطول ليلة ، قد حاطت بهم
__________________
(١) كنز العمّال ٤ : ٥٤.
(٢) نهج البلاغة ٣ : ٢٢٤.