« أمّا بعد ، فإن أوّل مركب صعب ، وما كنّا خطباء ، وسيعلم الله ، وأنّ امراء ليس بينه وبين آدم إلاّ أب ميّت ، لموعوظ » ، ثمّ نزل عن المنبر وهو وجل (١) ، وأنت ترى أنّه ليس بين هذه الكلمات أي ربط أو اتّصال ، وإنّما كانت متنافرة في اسلوبها الأمر الذي دعا الحاضرين ليهزءوا به ويسخروا منه ، وكان ذلك من آفات الشورى التي امتحن بها المسلمون ، فقد أقصت أمير البيان ورائد الحكمة والعدالة في دنيا الإسلام وفرضت عثمان حاكما على المسلمين.
ولا بدّ لنا من التحدّث عن مظاهر شخصيّة عثمان التي هي المقياس في نجاح أي حاكم أو فشله في الميادين السياسية والاجتماعية وهذه بعضها :
كان عثمان ـ فيما أجمع عليه المؤرّخون ـ ضعيف الإرادة ، خائر العزيمة ، ولم تكن له أيّة قدرة على مواجهة الأحداث والتغلّب عليها ، فقد استولى عليه الأمويّون وسيطروا على جميع شئونه ، ولم يستطع أن يقف موقفا إيجابيا ضدّ رغباتهم وأهوائهم ، ووصفه بعض الكتّاب المحدثين بأنّه كالميّت في يد الغاسل لا حول له ولا قوّة.
وكان الذي يدير شئون دولته مروان بن الحكم ، فهو الذي يعطي ويمنع ويتصرّف حسب ما يشاء ، ولا رأي لعثمان ولا اختيار له ، وقد قبض على الدولة بيد من حديد ، يقول ابن أبي الحديد :
إنّ الخليفة في الحقيقة والواقع إنّما كان مروان ، وعثمان له اسم الخلافة.
__________________
(١) الموفّقيات : ٢٠٢.