سيفا ولم يعطه للزبير ، وقد ضاق الزبير ذرعا من ذلك ، وراح ينظر ما يصنع به أبو دجانة ، فقد أخرج عصابة حمراء فتعصّب بها ، فقالت الأنصار : أخرج أبو دجانة عصابة الموت وبرز إلى ميدان الحرب وهو يقول :
أنا الذي عاهدني
خليلي |
|
ونحن بالسفح لدى
النخيل |
ألاّ أقوم الدهر
في الكسول |
|
أفرّ بسيف الله
والرسول (١) |
وأعرب بهذا الشعر عن بسالته وصلابة عزمه في الذبّ عن الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وجعل أبو دجانة ينشر الموت بين صفوف القرشيّين ، وحمل على هند أمّ معاوية حتى بلغ سيفه مفرق رأسها إلاّ أنّه عدل عن ذلك ترفّعا منه ، ولمّا نظر الزبير إلى شجاعة أبي دجانة استصوب رأي النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم.
من المؤسف حقّا أنّ المسلمين منوا بهزيمة ساحقة وخسائر فادحة كادت تلفّ لواء الإسلام ، وذلك من جرّاء مخالفة فرقة في الجيش الإسلامي للمخطّطات الحربية التي وضعها الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم وألزمهم بتنفيذها ، فقد وضع كتيبة من الرماة على جبل بقيادة عبد الله بن جبير (٢) لتحمي المسلمين من خلفهم ، وشدّد عليها أن لا تتخلّف عن مواقعها ، وقد وجّه الرماة سهامهم ونبالهم صوب معسكر قريش فأنزلوا بها خسائر فادحة في الأرواح ، وانهزمت قريش تاركة وراءها أمتعتها وسلاحها ، وأقبل المسلمون على نهبها ، فلمّا رأى الرماة ذلك ترك بعضهم مكانه وانسابوا ينهبون الأمتعة مخالفين الأوامر المشدّدة من النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم في لزوم الإقامة بمواضعهم.
وبصر خالد بن الوليد ذلك فحمل على من بقي في الجبل من الرماة فقتلهم
__________________
(١) السيرة النبوية ـ ابن هشام ٢ : ٦٨.
(٢) عيون الأثر ٢ : ٥. الكامل في التاريخ ٢ : ١٠٥.